16 سبتمبر 2025
تسجيل- المحبون يستوحشون من كل شاغل يشغل عن الذكر فلا شيء أحب إليهم من الخلوة بحبيبهم (. قال عيسى عليه السلام: يا معشر الحواريين كلموا الله كثيرا، وكلموا الناس قليلا، قالوا: وكيف نكلم الله كثيرا؟ قال: اخلوا بمناجاته، اخلوا بدعائه. وكان بعض السلف يصلى كل يوم ألف ركعة حتى أقعد من رجليه، وكان يصلي ألف ركعة جالسا، فإذا صلى العصر جثا واستقبل الكعبة ويقول: عجبت للخليقة كيف أنست بسواك ، بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواك .. وكان بعضهم يصوم الدهر، فإذا كان وقت الفطور قال أخشى بنفسي تخرج لاشتغالي عن الذكر بالأكل .. قيل لمحمد بن النضر : أما تستوحش وحدك ؟ قال: كيف استوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني. - فإذا قوى حال المحب ومعرفته لم يشغله عن الذكر بالقلب واللسان شاغل، فهو بين الخلق بجسمه وقلبه معلق بالمحل الأعلى.. كما قال علي في وصفهم: صحبوا الدنيا بأجساد أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، وفي هذا المعنى قيل: - جسمي معي غير أن الروح عندكم فالجسم في غربة والروح في وطن - وقال غيره: - ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي- فالجسم مني للجليس مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي وهذه كانت حال الرسل والصديقين كما قال تعالى – (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا ) - وفي الترمذي مرفوعا ( يقول الله " إن عبدي .. كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه ) وقال تعالى – ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم ) - الآية. وقال تعالى – ( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) - يعني الصلاة في حال الخوف، ولهذا قال – ( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) - وقال تعالى في ذكر صلاة الجمعة - ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) - فأمر بالجمع بين الابتغاء من فضله وكثرة ذكره , ولهذا ورد: فضل الذكر في الأسواق ومواطن الغفلة كما في المسند والترمذي وسنن ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا ( "من دخل سوقا يصاح فيه ويباع فيه فقال: لا إله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهوعلى كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة" ) .وفي الحديث الشريف ( "ذاكر الله في الغافلين كمثل المقاتل عن الفارين ، وذاكر الله في الغافلين كشجرة خضراء في وسط شجر يابس" ) . قال أبو عبيدة ابن عبدالله بن مسعود: مادام قلب الرجل يذكر الله فهو في صلاة وان كان في السوق وان حرك به شفته فهو افضل، وكان بعض السلف يقصد السوق ليذكر الله فيها بين أهل الغفلة , والتقى رجلان منهم في السوق فقال أحدهما لصاحبه: تعال حتى نذكر الله في غفلة الناس، فخلوا في موضع فذكرا الله ثم تفرقا ثم مات أحدهما فلقيه الآخر في منامه، فقال له: أشعرت أن الله غفر لنا عشية التقينا في السوق ؟