12 سبتمبر 2025

تسجيل

غزّة في النهائي

15 يوليو 2014

حين زار الحاج أمين الحسيني برلين في إطار تحالفه مع هتلر؛ أشار المترجم على الفوهر أن تُقدّم القهوة كضيافة للزائر العربي، لكن هتلر رفض بشدة، وقال غاضباً: لن تُقدم القهوة في مقرّ الرايخ. تقول الكتب إن الزعيم النازي لم يكن يشرب الخمرة، وكان يحب عصير البرتقال، وأنه في عيد ميلاده ينفد البرتقال من الأسواق، لأن الشعب يشرب نخب القائد الذي هزّ العالم أربع سنوات قبل أن تكتمل حفلة الحرب في برلين التي دخلها الحلفاء فاتحين. انتشرت القهوة وصارت مشروباً عالمياً، وأخذت اسمها العربي إلى الإنجليزية coffee واللاتينية café ، وكما تعولمت القهوة تعولمت كرة القدم، أفضل ما خلفته حداثة الاحتلال الأوروبي للعالم، تلك اللغة التي يفهمها الجميع، دون أن تشتري كتاب تعلم الكرة في خمسة أيام.الهوس العربي بالكرة جزء من هوس العالم، الباحث عن حروب نظيفة، حروب تنتهي في تسعين دقيقة، العالم الهارب من ضغط الحياة والحروب، الحروب الجديدة التي اختزلت رموز الحروب القديمة راياتها وأناشيدها وتيجانها، واستبطانها ثقافات وضغائن متحولة وحكايات لا تنتهي.وغزّة تتفرج أيضاً وتلعب، أبناؤها الذين يحبون الحياة يفركون أذن اللغة، وحين تضيق عليهم المعابر والحدود والأنفاق والفضاء يلعبون، هم أدلاّء حقيقيون للموت الذي أكرموا وفادته، الموت في غزّة بستان، له في كل صيف موسم، وفي كل رمضان سحور، الموت هناك يفطر في الحارات الفقيرة الضيقة، ويصلي التراويح مع المؤمنين، ويحضر الفوازير العربية الجديدة، ويحضر كأس العالم في مقاهيها، وهي تعرف أنها على موعد مع اللعب حين المونديال، وتشرب القهوة مع البرازيل وإن كان هيجان البرازيليين كلفهم سبعة، وغزّة تشوط الكرات من بعيد، كلاعبي العالم الثالث الباحثين عن (برافو) في هذا المجمع الأممي.في المونديال ضرب أبناء عصير البرتقال موعداً في النهائي مع أبناء (المتّة)، النهائي الذي تشارك فيه غزّة تحتضن فيه كأس العالم كأي صبية تحب المونديال وتلبس قميص بلادها، غزّة التي تعيد إلينا البوصلة، وتعيد جردة الحساب، وتدعونا إلى التفكّر في الدوري الدموي الذي تخوضه أندية الهوى الطائفي والحسابات الصغيرة، تقول لنا إن المباراة هنا، والجمهور (هناك) هو الحكم (هنا).ونحن الواقعين في التسلل، المخطئين في التبديل، المكتفين بشرف المشاركة، نرى كيف تشارك غزّة في النهائي، وكيف نشارك نحن في النهاية.