19 سبتمبر 2025

تسجيل

تطور وتحسن النظرة المستقبلية للاقتصاد العماني

15 يوليو 2012

قبل أيام أقدمت مؤسسة (ستاندرد أند بور) على تغيير النظرة المستقبلية للاقتصاد العماني من سلبي إلى مستقر مع الاحتفاظ بتقييم ائتماني متقدم من خانة (اي) فيما يخص الالتزامات المالية السيادية. بدورنا نرى صواب هذا التوجه كونه جاء تقديرا للتطورات الاقتصادية الإيجابية المتلاحقة في السلطنة. ويبدو جليا بأن المؤسسة المتخصصة في التقييم الائتماني أخذت بعين الاعتبار العديد من مؤشرات الأداء الاقتصادي من قبيل رصد فائض قدره 7 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2011. كما شكل فائض الحساب الجاري للسلطنة قرابة 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للسنة نفسها وهي أرقام تؤكد على متانة الأوضاع المالية للسلطنة. اللافت أنه تم رصد هذه الإنجازات رغم عدم الاستفادة الفعلية من مبلغ العون المالي الخليجي المخصص أي مليار دولار لكل سنة لمدة 10 سنوات. وكان مجلس التعاون الخليجي قد أقر في العام الماضي مبلغا وقدره 10 مليارات دولار لكل من البحرين وعمان بغية المساهمة في معالجة الأسباب التي أدت لظهور مشكلات أمنية وسياسية واجتماعية في البلدين مطلع 2011. وخير دليل على الأداء الاقتصادي المتميز هو تقدير صندوق النقد الدولي بتحقيق الناتج المحلي الإجمالي العماني نموا قدره 4.4 في المائة أي أعلى من نسبة 4.1 في المائة والتي تم تسجيلها في 2010.. مؤكداً أن هذا الأداء يعد محل تقدير كونه تحقق في خضم ظروف اقتصادية عالمية غير مواتية على أقل تقدير بالنظر للأزمة التي تعيشها منطقة اليورو وظهور معضلة المديونيات الصعبة في اليونان ودول أوروبية أخرى. في المقابل لم تتسبب الظواهر الاقتصادية محل الاهتمام بتعقيد مسألة التضخم حيث بقيت الأمور تحت السيطرة. حقيقة القول: ارتفع متوسط التضخم من 3% في العام 2010 إلى 3.6 في المائة في 2011 لكن مقابل ثمن مستحق. والإشارة هنا إلى بدء العمل في مشاريع وبرامج قيمتها 2.6 مليار دولار في 2011 بهدف تحقيق أمور من قبيل إيجاد آلاف فرص العمل للمواطنين في الدوائر والمؤسسات الحكومية فضلا عن تقديم مساعدة مالية في حدود 400 دولار شهريا للعاطلين الباحثين عن عمل. بمعنى آخر تساهم هذه النفقات في دوران الأموال داخل الاقتصاد المحلي. وتشمل الأخبار الإيجابية الأخرى التعزيز المستمر للإنتاج النفطي حيث جاء في تقرير إحصاءات الطاقة لشهر يونيه 2012 ومصدره لشركة (بريتيش بتروليوم) البريطانية بنمو إنتاج النفط الخام بنسبة 2.8 في المائة في 2011. وعلى هذا الأساس ارتفع مستوى الإنتاج إلى 891 ألف برميل يوميا في 2011 مقارنة بـ 715 ألف برميل يوميا في العام 2007. بكل تأكيد أسهمت ظاهرة بقاء أسعار النفط مرتفعة في رصد هذه الإنجازات. وكانت السلطنة قد افترضت رقما محافظا قدره 58 دولارا للبرميل في السنة المالية 2011. تشتهر عمان بين سائر الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بتبني سياسات محافظة كخيار إستراتيجي. طبعا يضاف لكل ذلك نجاح عمان في تحسين ترتيبها في العديد من المؤشرات الدولية المتعلقة والتي تم نشرها حديثا.. فقد نجحت السلطنة في تحسين ترتبيها بواقع 10 مراتب على مؤشر الإبداع والابتكار للعام 2012 أي الأفضل من حيث التقدم بين دول مجلس التعاون الخليجي. بل تراجع ترتيب ثلاث من أصل ست دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي. يتمتع التقرير بمصداقية كونه يصدر عبر شراكة بين مدرسة (انسيد) المتخصصة في إدارة الأعمال ومنظمة (وايبو) التابعة للأمم المتحدة والمهتمة بكل ما له علاقة بالإنتاج الذهني. كما نجحت عمان بنيل المرتبة الثانية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بعد الإمارات في تقرير تمكين التجارة للعام 2012 ومصدره المنتدى الاقتصادي العالمي ومقره سويسرا. بيد أنه لا يمكن غض النظر عن بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد العماني من قبيل الاعتماد المبالغ فيه على القطاع النفطي يعد أمرا سلبيا لأنه يجعل الاقتصاد المحلي تحت رحمة التطورات في أسواق النفط الدولية. يساهم شق النفط الخام من القطاع النفطي بنحو ثلثي كل من دخل الخزانة والصادرات. كما يساهم شق الغاز بنحو 13 في المائة من دخل الخزانة العامة. تخضع أسعار النفط لمجموعة معقدة من العوامل الاقتصادية والسياسية فضلا عن ميول المتعاملين في هذه التجارة في أسواق المال العالمية. مؤكداً أن الأمر يتطلب الاستفادة من العوائد النفطية لتحقيق هدف إستراتيجي أي تحقيق التنوع الاقتصادي عبر تنفيذ برامج تنموية مثل تعزيز دور قطاع السياحة كون السلطنة تتمتع بإمكانات سياحية ربما غير متوافرة لغالبية الدول الأخرى الأعضاء في المنظومة الخليجية. طبعا يضاف لذلك معضلة إيجاد فرص عمل مناسبة للمواطنين وهي المشكلة التي أطلقت شرارة الأحداث التي اندلعت في منطقة صحارى الصناعية في 2011. لا شك المطلوب إيجاد فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين والداخلين الجدد لسوق العمل. ومرد هذا الكلام هو بعض الإحصاءات الحيوية حيث يشكل أولئك الذين تقل أعمارهم عن سن 25 قرابة 60 في المائة من المواطنين. كما يشكل السكان دون سن الخامسة عشرة نحو 43 في المائة من مجموع المواطنين. ولأسباب يمكن تفهمها يأمل السواد الأعظم من العمالة المحلية بالعمل لدى الدوائر الرسمية بطريقة أو أخرى خاصة بما في ذلك المؤسسات الأمنية. وتبين حديثا أن العمالة الوطنية تستحوذ على 14 في المائة فقط من فرص العمل المتوافرة في القطاع الخاص. ختاما؛ أثبت بعض النتائج التي تحققت خلال العام 2011 والنصف الأول من 2012 قدرة عمان على تحقيق أداء اقتصادي نوعي خلال فترة قياسية. الأمل أن تواصل السلطنة تحقيق إنجازات اقتصادية في ظروف غير عادية وهي قادرة على ذلك.