15 سبتمبر 2025

تسجيل

إعدام صوت الحقيقة

15 مايو 2022

فلسطين المُحتلة الدولة العربية الوحيدة التي لا تنضب أخبارها بسبب الأحداث والمناوشات اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون من جيش الاحتلال الإسرائيلي الخالي من الرحمة والإنسانية وليس لديه أدنى مسؤولية تجاه الأطفال أو النساء أو كبار السن، فلا يكفيهم اغتصاب تلك الأرض العربية الطاهرة بل يسعون بالعمد والترصد إلى استفزاز الشعب الفلسطيني بالتعرض للأطفال والعزَّل وإهانة كبار السن وحرمانهم من زيارة مقدساتهم والصلاة في الأقصى والتمتع في بلدهم والتنقل بحرية وهذا مخالف لحقوق الإنسان وكل الأعراف الدولية ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي والعالم العربي يشجب ويستنكر والعالم الدولي يقلّب الأوراق ويتباحث في الأمر بدون إصدار قرارات تنقذ الشعب المُصاب والذي يفقد عشرات الشباب كل يوم أثناء مقاومته ضد الهجمات بل أحياناً يأتي القصف عشوائياً ودون مقاومة وفي منتصف الليل والناس يغطون في نومهم! منذ أن وعيت على الدنيا وأنا أرى مشاهد استشهاد الفلسطينيين ودمار بيوتهم وأحيائهم، ونحيب الأمهات على أبنائهن والنساء على أزواجهن وكلما اجتمع العالم العربي والدولي لإيجاد حل لوقف حمّامات الدم المستمرة إلا أن إسرائيل لا تتعاون في ذلك ولا تقيم أي اعتبار لقيمة الإنسان وتزداد عنفا وبطشا مع الأبرياء، وطوال السنين الماضية اعتمدنا على مراسلي القنوات في نقل حقيقة الجرائم الصهيونية التي كانوا يتسترون عليها، وخاصة بعد انطلاقة قناة الجزيرة التي كانت وما زالت تنقل لنا الحقيقة بعيون أخرى وترصد الحدث لحظة بلحظة ولا تهدأ لا ليل ولا نهار لتوثق العمليات الإرهابية الإسرائيلية التي تُمارس ضد الفلسطينيين في أرضهم، ومنذ أول التسعينيات وبالتزامن مع توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1993 وإنشاء هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ومنح الترخيص لعدد من المحطات التلفزيونية في فلسطين انضمت مجموعة من الصحفيات المراسلات لتلك القنوات ورهنّ أنفسهن لخدمة وطنهن وأرضهن المسلوبة ليصل صوت فلسطين للعالم وليعرفوا بجرائم الكيان الصهيوني، وفي الـ 1997 التحقت الصحفية شيرين أبو عاقلة بقناة الجزيرة وطوال الـ 22 عاماً كانت تنقل الأحداث أولا بأول للعالم وشهدت غارات وانفجارات وأحداثا كثيرة وصاغت جُملها الإخبارية ليصل صوت الحق وحملت ميكروفونها تحت القصف وفي أكثر الأماكن اشتباكاً ووثقت الدمار وغطت جنائز الشهداء فكيف لا وهي في أكثر المواقع سخونة وتوترا في العالم مما خلق منها صحفية فدائية متميزة صلبة جريئة لا تعرف الخوف ولا التردد تحمل روحها على كف راحتها في كل يوم وكأنها تقاوم الموت إلى أن أتت تلك اللحظة التي خطفها الموت برصاصة متعمدة وغادرة من قناصة الكيان الصهيوني في الوقت الذي كانت تتحضر لتقابل كاميرتها وتنقل وقائع الاشتباكات وفي لحظة سقط جسدها قبل أن توافينا بالخبر وصعدت روحها وسط صراخ زملائها وصمتت الحروف وظلت الكاميرا تنقل لحظات موتها الصادمة أمام العالم وهي التي كانت للتو تستعد لنقل آخر المستجدات على الساحة في جنين فأصبحت هي الحدث الأهم والذي لن ينسى خاصة في تشييع جثمانها والاشتباكات التي حدثت عند باب المستشفى مع الجنود الإسرائيليين وعدم سماحهم بخروج التابوت الذي يحمل شيرين أبو عاقلة كما أراد زملاؤها ومحبوها وأجبروهم على نقلها بسيارة الموتى بعد المفاوضات، فكيف تُنسى شيرين وهي التي أقلقت الإسرائيليين حتى بعد قتلها وكيف يمكن لزملائها تجاوز وجودها خاصة في مكاتب الجزيرة في فلسطين ومذيعي القناة الذين طالما رحبوا بها في نشراتهم وفُتحت نافذتها لتنقل صور الاعتداءات الإسرائيلية واستهدافهم المواطنين الفلسطينيين ناهيك عن تعرضها هي وزملاؤها للعنف مُسبقاً رغم أنهم يرتدون السترات التي تدل على هويتهم الصحفية والتي يُفترض أن يكونوا محميين من الاعتداء أو التعرض لهم، ولكن بكل تعمد وتَرصد وبغفلة منها تم إعدامها برصاصة إسرائيلية وهي ترتدي خوذتها وسترتها وأردوها قتيلة لكي لا تصل جرائمهم للعالم ولا يعلمون أنهم أقدموا على جريمة دولية يستنكرها العالم بأسره فهي جريمة ضد الإنسانية وضد المرأة وضد الصحافة، وبذلك يخسر العالم العربي صوتاً حقيقاً نقل الخبر والحدث من الأرض المحتلة وخسر امرأة شجاعة قوية اختارت مهنة المتاعب في الدولة المحتلة ليس لتغير الواقع بل على الأقل لتنقله للعالم كما هو وليعلم حجم المأساة التي يعيشها شعب لعقود ماضية وما زال. • تعازينا لكل الصحفيين والفلسطينيين والعرب الأشراف في مقتل البطلة شيرين أبو عاقلة وندعو الله أن ترقد روحها بسلام وأن يحفّها برحمته. • نحنُ بحاجة إلى نُسخ من شيرين أبو عاقلة في كل العالم العربي، صحفيات ينقلن الواقع والحقيقة مهما كلفهن ذلك، فتلك المرأة التي لا تُنسى ومسيرتها تظل خالدة. [email protected] @amalabdulmalik