27 أكتوبر 2025

تسجيل

هل الشعر صورة؟

15 أبريل 2015

تنبّه المعاصرون إلى الجزء المخطوف من القصيدة، وهو الصورة، التي انبنت عليها الفنون الجديدة، فوجدت فيها ضالّتها، وانحازت إليها جموع الغاوين الجدد، وذهبت إليها كفاءات ومهارات لتجوّد فيها، وفي طرائق استثمارها. منذ القصيدة الجاهلية والصورة إدامُ القصيدة، ومولد دهشة المتلقي، ومعيار الشاعر المجيد، وعندما تقعّد الشعر باتت هواية ولعبة، أساء بها النظّامون إلى معمار النصّ، الذي فقد الروح، وبات تشكيلات بصرية، ضجت به نصوص العباسيين، وخصوصاً في المتأخر من شعرهم وعند أهل الأندلس بالتحديد، وماثلت إساءاتهم لروح النص إساءات التلامذة من حفظة المحسّنات البديعية.حين جاءت السينما ومن ثمّ التلفزيون، فقد أحدثت أثراً فارقا في عملية التلقّي، وأضاءت عوالم المكان، و(جوانيّة) الأبطال، وخطفت المثير والمدهش من حضن القصيدة إلى الشاشة، صور متحركة متلاحقة، لا يكفي لأن تعبر عنها في الحرب قصيدة أبي تمّام في معركة عمّورية مثلاً. ورغم ذلك فإن القصيدة العربية الحديثة أنجزت مشروعها الشعري بأسئلتها التي ذهبت صوب المضارب الأولى، ولم يكن تفكيك البنيان الشعري في وارد الأسئلة الأولى، ولكنّ اضطراب المشهد برمّته أثّر في البنى المعرفية جميعها، وبات الشعر أقلّ حضوراً واهتماماً، وعرضةً للتجريب، وظهرت مخابر النصوص القصيرة المهتمّة بتجربة (الهايكو) اليابانية، مع تدفق أوساط النشر الجديدة، مثالاً على شعريّات جديدة تتلطّى للصورة بعيداً عن اكتمال أدوات شعرائها. لقد أسرفت الشعرية الحديثة في الاتكاء على الصورة لأكثر من داعٍ، حتى أنه لم تخلُ قصيدة في نتاج بعضهم من كاف التشبيه، أثقلت كاهل النصّ المفتقر إلى حامل حقيقي للصور. ومن هنا تأتي أهمية أن نصرخ بأن الشعر ليس صورة فقط. الشعر ذلك العصيّ على التعريف، والعصيّ على مدارس الشعر جميعها.