28 أكتوبر 2025

تسجيل

ماذا حصل لك؟

15 مارس 2022

من الأمور التي نادراً ما نتحدث عنها في مجتمعاتنا العربية هي الصحة النفسية. وإن تناولناها فإننا نمسك قشورها فقط ونترك ما عداها. فالكثير منا تتعدى تابوهات الحديث لدينا الجنس والدين والسياسة إلى الصحة النفسية! هذا الفيل الكبير في الغرفة الذي نعرف وجوده بيننا دون أن نتطرق إليه ولا إلى صدماتنا النفسية (TRAUMA)! في كتابهم (WHAT HAPPENED TO YOU) يعالج الدكتور بروس بيري وأوبرا وينفري، موضوع الصحة النفسية والصدمات النفسية للإنسان وخاصة في الأطفال، الذين يكبرون وتظل بل وقد تكبر معهم صدماتهم النفسية. وهذه الصدمات قد تُشكل شخصية الانسان وتلعب دوراً كبيراً في حاضره ومستقبله بعد أن استولت على الماضي. وبسبب ذلك، يجب ألا تترك الصدمات النفسية خاصة بعد أن يعي الانسان وجودها بلا علاج. والصدمات النفسية تختلف من شخص لآخر، كل وفق بيئته وعائلته وظروفه ومواقفه وغيرها من العوامل الكثيرة. فقد يتعرض انسان لصدمة نفسية من موقف واحد مؤذ، وقد يتعرض آخر لصدمة نفسية بعد تكرر موقف مؤذ في حياته وهكذا. يختلف الحال من شخص لآخر. وبسبب ذلك، يُفضل الدكتور بروس بيري سؤال شخص منغلق على نفسه- مثلاً -: ماذا حصل لك في حياتك حتى أصبحت هكذا؟ (WHAT HAPPENED TO YOU?) على سؤال الشخص نفسه: ما خطبك؟ (WHAT IS WRONG WITH YOU?). وهو السؤال الذي اعتدنا سؤاله عندما نرى شخصا مختلفا عنا في المزاج أو الذائقة أو الأسلوب أو التفكير أو غيره. يحكي الواقع حصول صدمة نفسية أو أكثر للأغلبية إن لم يكن الجميع سواء أكانت الصدمة موت شخص عزيز أو هجران أب أو مرض صديق أو تحمل مسؤولية كبيرة في سن صغيرة أو غيرها من المواقف المؤذية أو الكبيرة على الانسان، في وقت لم يستطع تحملها أو استيعابها مما سبب له صدمة أبقت آثارها في نفسه وحياته. هذه الصدمات النفسية سيبين أثرها في العمل كأن لا يكون في مقدور الانسان العمل بعيداً عن عائلته لأنه يشعر بأنه المسؤول عنهم، أو قد يكون أثرها في العلاقات، حيث لا يستطيع المرء - بوعي أو لا وعي منه - أن يستمر في علاقة صحية لأنه شهد على علاقة والديه الفاشلة وطلاقهم. يتناول بروس بيري وأوبرا وينفري في كتابهما، علاج الصدمة النفسية عبر عدة طرق: أولها، العلاج بالأدوية الموصوفة من قبل دكتور نفسي (وهذا هو الطريق المألوف للأسف). ثانياً، العلاج عن طريق العلاج السلوكي المعرفي. ثالثاً، عبر الاتصال بالناس والعيش ضمن جماعات محبة ومساندة. رابعاً، العلاج عن طريق إيجاد التناغم وتنظيم النفس عبر أفعال أو أعمال تنظم سلوك الانسان وحياته مثل الكتابة أو الرسم أو المشي أو أي فعل آخر يجعله غير خاضع لآثار صدمته النفسية. تحسن الوضع اليوم عما مضى، أصبح الحديث عن الصحة النفسية أسهل من الحديث عنه قبل عشرين سنة، ولكننا ما زلنا في البداية، وأمامنا الكثير مما يلزم إنجازه وفعله والتحدث عنه حتى نعيش حياة أفضل وأسعد في ظل صحة نفسية متوازنة وسليمة. فلنبدأ الآن.