10 سبتمبر 2025

تسجيل

رحم الله امرأ عرف قدر نفسه

14 نوفمبر 2023

ما أجلّ أن يتبصَّر الإنسان في نفسه، فيتعرّف عليها بما آتاه الله من طرائق النظر والاعتبار، ومسالك التأمل والتدّبر. يستجلي منها تلافيف فكره وشعوره، ويتصل بحبال روحه ووجدانه، ليعرف ما يليق به، وما هو على شاكلته، وما هو له مُستحقّ بميزان الحكمة والرشد، فيقيم نفسه مقامها، ويستكشف قدره بلا زيادةٍ أو نقصان. فكما قيل: (رحم الله امرأ عرف قدر نفسه) وليس ذلك من باب التواضع أو التحجيم، أو الأنفة والتعالي، إنما هي المعرفة الحقّة للذات التي تخوّلك أن تعرف ما هي أهل له، وما هو أهل لها، قدراً ومنزلةً، من الأقوال والأفعال والأشخاص والمواقف. وكذلك معرفة قدرها بإدراك ما تُحسنه وما لا تُحسنه.. للانطلاق من تلك المعرفة إلى ما ترنو إليه من مراتب العلوّ التي تتطلّع لها، ومقامات السمو التي تسعى لارتقائها. فمن الفطنة أن تعي أن التصدّي لكل عمل ليس منقبة تُحمد، ولا الزّج بالنفس في كل موقفٍ حصافة مأثورة، وليس الكفّ عن كل أمرٍ شيمة تُشكر، ولا الإحجام بالمطلق فضيلة مطلوبة ! بل من الحكمة أن تعرف متى تُقبل ومتى تُدبر، ومتى تكترث ومتى تُعرض، متى تتسع ومتى تُحجم، ومن الحنكة أن تعي جيداً ما هي مكامن قوتك، ومواضع ضعفك. وتعلم ما هو لائق بمقامات الرفعة التي تطلبها فلا تثير حفيظتك الصغائر، ولا تُسخطك التوافه. وتعي ما هو مناسب لمراتب ما تتطلّع إليه من فضائل الروح والنفس فلا تُجرّ إلى مواطن الشبهات، ومقرّات الشك والارتياب، لأنك تفهم جيداً أن هذا مما لا يليق بنُبل مناقبك، وسمو خصالك. لحظة إدراك: جميلٌ أن يتدبر الإنسان فيما يخدمه وما لا يخدمه من الأفكار والقناعات، وما يُردده من أقوال ومأثورات، وأن يدرك أن من مطالب الحكمة وسداد الرأي واتزان العقل والنفس أن كل قول مأثور له أوجه متنوّعة، وسياقات متعددة، وأبعاد للفهم مختلفة، أجملها ما اتزن، وأصدقها ما ناسب سياق الحال والمقال، وما وُضع في موضعه دون استهانةٍ أو تهويل.