08 نوفمبر 2025

تسجيل

لبنانُ والفوضى السعوديةُ الخلاقة

14 نوفمبر 2017

لو أعلنَ رئيسُ وزراءِ لبنانَ، سعد الحريري، استقالته من باريس أو الكويت، مثلاً، لما ثارتْ تلك الضجةُ حولَ إرغامه عليها، لكنه أعلنها من الرياضِ التي لا تملك مصداقيةً دوليةً بشأنِ الالتزامِ بالقوانينِ والأعرافِ الدوليةِ، وليست لديها مؤسساتٌ مستقلةٌ تديرُ شؤونها، فالمملكةُ دولةٌ تقومُ على نظامٍ أبويٍّ تجتمعُ فيه كلُّ السلطاتِ بيدِ الملكِ. لذلك، لا يستطيعُ عاقلٌ التصديقَ بأنَّ الاستقالةَ لم تُفرضْ عليه، وأنه حرٌّ في اتخاذِ قراره بالبقاءِ في المملكةِ أو مغادرتها، وحتى في الحوارِ الذي أجرته قناةٌ تلفزيونيةٌ لبنانيةٌ معه في الرياضِ، أمسِ الأول، كان الرجلُ مرتبكاً، مذهولاً، غيرَ مقنعٍ في إجاباته. فنحنُ نعلمُ، مع احترامنا الشديدِ له كشخصٍ ومسؤولٍ سياسيٍّ، أنه ليس من المتمكنينَ من التعبيرِ ببلاغةٍ عن مواقفَ سياسيةٍ، لكنه أصرَّ على أنه كتبَ بيانَ الاستقالةِ بنفسه بغرضِ إحداثِ صدمةٍ وطنيةٍ في الداخلِ اللبنانيِّ، رغم أنَّ صياغته تفوحُ منها رائحةٌ سياسيةٌ سعوديةٌ خالصةٌ لا تبالي بلبنانَ واللبنانيينَ مطلقاً، بل تسعى لقيامِ حربٍ أهليةٍ طائفيةٍ يشاركُ فيها الكيانُ الصهيونيُّ بتمويلٍ سعوديٍّ. ولننظرْ إلى الصورةِ الكليةِ من مختلفِ زواياها: 1) إرغامُ السعوديةِ للحريري على الاستقالةِ، يشيرُ إلى أنها صارتْ خاضعةً كلياً لإمارةِ دحلانَ الظبيانيةِ التي لا تمارسُ السياسةَ كعملٍ يحققُ منافعَ متبادلة لها وللدولِ الأخرى، وإنما كجريمةٍ منظمةٍ تنتهكُ بها القوانينَ، وتدوسُ الأخلاقَ، لتظلَّ قويةً وسطَ دولٍ مدمرةٍ ضعيفةٍ. فالمملكةُ، إذن، خسرتْ كثيراً على المستويينِ السياسيِّ الدوليِّ والشعبيِّ العربيِّ بهذه المغامرةِ غيرِ محسوبةِ العواقبِ. 2) الحديثُ السعوديُّ عن استهدافِ حزبِ الله في لبنانَ كمقدمةٍ لحربٍ شاملةٍ ضد إيرانَ، هو حديثٌ فوقيٌّ لا توجدُ له أسسٌ منطقيةٌ. فالمملكةُ لم تستطعْ أنْ تنتصرَ انتصاراً شكلياً على الحوثيينَ الذين يصنفونَ عسكرياً كميليشيا بدائيةٍ، فكيف لها أنْ تواجه قوةً إقليميةً عظمى كإيرانَ؟. وكيفَ لها أنْ تواجه الحزبَ وهي بعيدةٌ جغرافياً عن لبنان؟. الإجابةُ هي أنَّ السعوديةَ تعتمدُ على تحالفٍ عسكريٍّ مع الكيانِ الصهيونيِّ، لكنها، بسببِ الغباءِ الاستراتيجيِّ، لا تدركُ أنَّ عنترياتها في اليمنِ، وضد قطر، لا تنفعُ مع الكيانِ الذي هو مجردُ قاعدةٍ متقدمةٍ لحمايةِ المصالحِ الأمريكيةِ، ولا يمكنه التحركُ إلا بمساندةٍ أمريكيةٍ كليةٍ وصريحةٍ. ولأنَّ الكيانَ يعلمُ أنَّ الحربَ الشاملةَ على لبنانَ ستكونُ محفوفةً بمخاطرَ لا يستطيعُ الصهاينة مواجهتها، فإنَّ أقصى ما يمكنه القيامُ به هو ضرباتٌ نوعيةٌ لبعضِ قواعدِ الحزبِ. بمعنى آخر، أنه سيقدمُ، فقط، للقيادةِ السعوديةِ سبباً للإعلانِ الصريحِ عن اعترافٍ متبادلٍ بينه وبين المملكةِ .3) الغباءُ الاستراتيجيُّ يبدو بصورةٍ جليةٍ في الوهمِ الكبيرِ لدى المسؤولين والإعلاميينَ السعوديينَ بأنَّ الحالةَ الإعلاميةَ والسياسيةَ العاطفيةَ الهادفةَ للتقاربِ مع العراقِ، جعلتْ من العراقيينَ حلفاءَ للسعودية، أو حياديينَ تجاهها على أقلِّ تقديرٍ، وأنْ ذلك سيتيحُ لها القيامَ بمغامرةٍ عسكريةٍ ضد إيرانَ بأيادٍ غيرِ سعوديةٍ. وهذا الوهمُ غبيٌّ لأنه يقومُ على التعاملِ مع الدولِ والشعوبِ كقطعانَ يحركها المالُ، وليس فيها قوى حيةٌ لها أهدافٌ وطنيةٌ وعربيةٌ وإسلاميةٌ لا تلتقي أبداً مع المراهقةِ السياسيةِ، والتضحيةِ بالشعوبِ وقضاياها، اللتينِ تتميزُ بهما السياسة السعوديةُ.4) الأمرُ الأخيرُ، الذي ينبغي أنْ نلتفتَ إليه، هو الجزءُ المتعلقُ بحصارِ بلادنا في هذه الفوضى السعوديةِ (الخلاقةِ). فالإعلامُ الهابطُ في الرياضِ وإمارةِ دحلانَ، وتصريحاتُ المسؤولين فيهما، يشيرُ إلى أنَّ قطرَ ستكونُ إحدى ساحاتِ مواجهةِ إيرانَ. ونقولُ لهم: إنَّ الأجدى أنْ تواجهوا إيرانَ اقتصادياً بوقفِ التعاملِ الإماراتيِّ معها، وعسكرياً في الجزرِ الإماراتيةِ المحتلةِ إنْ كانت لديكم قوةٌ ذاتِ شأنٍ، بدلاً من تهديدِ بلادنا التي لديها من القوةِ الذاتيةِ، وصلابةِ الجبهةِ الداخليةِ، والتحالفاتِ العسكريةِ، ما يحولُ دونَ تمكنكم من تهديدها.