14 سبتمبر 2025
تسجيلللمرة التاسعة يصل اسم الشاعر السوري أدونيس إلى قائمة المرشحين النهائية لجائزة نوبل للآداب، وفي كلّ مرّة يصاب الرجل والغاوون من حوله بخيبة أمل، إذ يستبعد اسمه لصالح أسماء مختلفة لا تفوقه إبداعاً، إلى الحدّ الذي بلغ ببعض محبّيه أن تمنّى عليه أن يطلب من القائمين على الجائزة حذف اسمه، لأن الأمر بات يمسّ الكرامة الشخصية للأديب وللأدباء العرب عموماً.وبالرغم من التنازلات التي قدّمها الشاعر في رؤاه المفارقة للوجدان العربي الإسلامي، وبرغم رؤيته المختلفة للصراع العربي الصهيوني، ممّا يحذفه من قائمة المغضوب عليهم في نظر الدوائر المؤثرة في القرار والمتعاطفة مع الصهيونية، إلا أنّ الرجل ظلّ الخاسر المثالي في كلّ دورة جديدة، وظلّ مكتفياً بترشيح اسمه حتى أطلق عليه لقب المرشّح الأبدي أو المرشّح شبه الدائم، أو المرشّح المتكرّر.إلا أنّ الجديد في الموضوع الذي جعل الجدل حول عدم فوزه مختلفاً، هو موقف أدونيس الملتبس من الثورة السورية، فقد أثار عليه غضب الشارع الثائر ومعه مثقفو الثورة، الذين وجدوا في موقفه تخاذلاً واضحاً، وانتصاراً صامتاً للنظام، وناقشوا حجّته التي يقوم عليها في أنّ الثورة انطلقت من مسجد، وهذا يعني أنها حراك ديني بعيد عن أهداف الثورة التي تصبو إلى قيام مجتمع مدني، ويرنو إلى المدنية والديمقراطية المأمولة بأن أدونيس ذاته هلّل للثورة الإيرانية عام 1979 رغم أنها ثورة دينية واضحة.فيما ينطلق طرف ثالث يفصل سلوك أدونيس المتخاذل عن أدبه الرفيع، أسوة بكثير من الذين تأثرنا بإبداعهم كالشاعر الفرنسي المذهل رامبو الذي كان تاجراً للعبيد، وكمن يأسى على حاله كتب أحدهم أنّ أدونيس لم ينل من نوبل غير آثار باروده في الشتائم والشماتة التي تعرّض لها، ويتعرض لها كلّ خريف وتحديداً في العاشر من أيلول سبتمبر.وكما هو في الماعون السوري فإن السجال الحادّ ببارود نوبل وبالشتائم والطعن أفقد السوريّ محارباً أو سياسياً أو مثقفاً القدرة على الرؤيا بعيداً عن الهويّات الجديدة والجريحة في آن، فقد وقع الجميع في حمأة الحرب الأهلية، وبات المثقفون من كلّ جانب حُماةً للقبائل الطائفية والعرقية الجديدة، بعد سقوط مشروع الحداثة في أتون الحرب الأهلية العراقية ثمّ السورية، ومن قبلها اللبنانية، وحلّ مثقف الطائفة والإثنية العرقية محلّ مثقف الوطن.لم تكن الحداثة التي تردّتها الدولة الوطنية غير قشّة خفيفة سرعان ما انسلخت عن الهويّات الكامنة الشرسة، وبات التنوّع الاجتماعي السوري الذي كان مدعاة دهشة للرائي في وطن ينبني على موزاييك ديني- طائفي- عرقي إلى وسيلة تناحر دامية ترتدي أكثر من لبوس في الحرب الملعونة.إن الحبر الذي سال متشفياً بالشاعر مستبطناً موقفاً لا علاقة له بالأدب، وعلى الجهة الثانية تبدو المواقف المدافعة عنه وقد أغضت عن مواقفه العامة التي تقطع مع ثوابت الأمة، تبدو وقد استبطنت موقفاً ذا علاقة بالانتماء الاجتماعي السابق على الفكري والأدبي، كلّ هذا يؤكد نجاح دعاة الطائفية والعرقية في جرّ المثقف والأديب إلى دروب مليئة بالمطبات.