17 سبتمبر 2025
تسجيلتعمل السعودية بجد ومثابرة لحل معضلة البطالة في أوساط العمالة المحلية وهي قادرة على تحقيق نتائج بصورة مستدامة حتى لو كانت بطيئة. لكن يمكن الزعم بأن هذه الآفة سوف تبقى معضلة للمستقبل المنظور لأسباب تتعلق بالوضع الديمغرافي في المملكة. عموما كما هو الحال مع بقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لا يمكن الجزم حول النسب الفعلية للبطالة في السعودية بسبب مشكلة نقص المعلومات خصوصا فقدان الانسيابية في نشر الإحصاءات. مؤكداً أنه يقتضي الصواب نشر الأرقام بصورة دورية وعدم ربطها بالتطورات السياسية كما هو الحال في العديد من الدول الغربية. ويلاحظ في هذا الصدد نشر الإحصاءات في الولايات المتحدة مع انتهاء آخر يوم عمل لأسباب منها إفساح المجال أمام المتعاملين في الأسواق بامتصاص الصدمة خلال عطلة نهاية الأسبوع وبالتالي تحاشي التعامل السريع مع المعلومات سلبيا أو إيجابا. بالمقارنة تتميز السعودية بين دول مجلس التعاون الخليجي بنشرها أرقاما محدثة حول واقع سوق العمل بما في ذلك البطالة وهي مسألة تستحق الإشادة لأنها تعبر عن الرغبة في إيجاد حلول للتحدي لأن معرفة حجم المشكلة ضرورية لاتخاذ القرارات المناسبة. بالعودة للوراء بلغت نسبة البطالة تحديدا 11.2 في المائة في العام 2007 وهي الأعلى من بين الإحصاءات المنشورة. طبعا يرتبط هذا الرقم بالعاطلين الباحثين عن العمل بصورة نشطة وهو التعريف العالمي للبطالة. الاعتقاد السائد حاليا هو انخفاض نسبة البطالة لما دون الرقمين أي أقل من 10 في المائة لأسباب لها علاقة بتعزيز الإيرادات وبالتالي النفقات الحكومية والتي بدورها تساعد في إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين عبر تنشيط الدورة الاقتصادية في ظل شبه غياب لعامل التضخم. وقد ساعد بقاء أسعار النفط مرتفعة لفترة زمنية غير قصيرة في توفير الظروف الملائمة لتعزيز النفقات. ففيما يخص السنة المالية 2011 فقد أسهم ثنائي زيادة الإنتاج النفطي من جهة وبقاء أسعار النفط مرتفعة من جهة أخرى خصوصا مقارنة مع الرقم المفترض عند إعداد الميزانية إلى ارتفاع حجم الإيرادات لأكثر من الضعف من 144 مليار دولار إلى حوالي 296 مليار دولار. بدورها وفرت حالة زيادة دخل الخزانة الفرصة لرفع مستوى النفقات العامة من 155 مليار دولار إلى 214 مليار دولار في نهاية المطاف خلال الفترة المشار إليها. وعلى هذا الأساس تم تسجيل فائق مالي نوعي قدره 82 مليارا رغم الزيادة الضخمة في النفقات. طبعا الشكر موصول للتطورات في القطاع النفطي حيث جاء في تقرير العام 2012 لشركة (بريتيش بتروليوم) البريطانية المتخصص في نشر الإحصاءات المتعلقة بالقطاع النفطي إلى حلول السعودية في المرتبة الأولى عالميا في مجال الإنتاج النفطي على حساب روسيا. وعليه أصبحت السعودية ليست فقط أكبر دولة مصدرة للنفط الخام بل أكبر منتجة لهذه السلعة الإستراتيجية والتي تعتبر جوهرية لطريقة المعيشة في هذا العصر سواء للسيارات والطائرات وغيرها. وقد تعزز الإنتاج النفطي السعودي لأسباب منها تعويض الأسواق العالمية للنقص الذي حصل لإنتاج النفط الليبي خلال الثورة التي أطاحت بحكم العقيد معمر القذافي فضلا عن الحظر الأوروبي على توريد النفط الإيراني. بيد أن ما يبعث على القلق تشكيل الفئات العمرية الشابة السواد الأعظم من العاطلين في السعودية. وبشكل أكثر تحديدا تتركز البطالة السعودية في الفئة العمرية ما بين 20 إلى 24 سنة حيث يمثلون فيما بينهم نحو 40 المائة من العاطلين. وحسب الإحصاءات المتوفرة فإن غالبية العاطلين من الذكور وتحديدا 47 في المائة هم من الفئة العمرية 20 حتى 24 سنة والفئة العمرية 25 إلى 29 سنة بالنسبة للإناث. مؤكداً: يخسر الاقتصاد السعودي بسبب انتشار البطالة في أوساط الشباب أي من الفئة العمرية الأكثر قدرة على العطاء والمساهمة بشكل بناء في التنمية. وليس من اليسر بمكان تحديد قيمة مالية لهذه الخسائر لكنها ليست بقليلة في كل الأحوال. يتمتع الشباب بالقدرة على الإنتاج نظرا لتسلحهم بآخر ما توصل إليه العلم الحديث بما في ذلك تقنية المعلومات. بل يشكل العاطلون تهديدا للسلم الاجتماعي خصوصا إذا ما أصابهم اليأس والإحباط بالحصول على فرص لتحقيق مآربهم الوظيفية. وتشير أحدث الأرقام المتعلقة بالسكان والعمالة في السعودية إلى حقيقة مفادها تمثيل أولئك دون 14 عاما نحو 30 في المائة من السكان. ومؤكداً: سوف يدخل عدد كبير من هؤلاء إلى سوق العمل في السنوات القادمة بحثا عن وظائف تتناسب وتطلعاتهم من حيث نوعية الوظيفة والدفع. وفي كل الأحوال لا يمكن التغاضي عن الأهمية النسبية الكبيرة للعمالة الوافدة والذين بدورهم يسيطرون على جل الوظائف المتوفرة في القطاع الخاص. يتواجد في سوق العمل في السعودية قرابة 8 ملايين عامل أجنبي مقارنة مع 4.5 مليون حجم القوى العاملة المحلية. خلافا للقوى العاملة المحلية تتميز القوى العاملة الأجنبية قبولها للعمل في مختلف الفرص المتوفرة بغية كسب المال ومن ثم إرسالها للأحبة في أوطانهم. ومع بدء موسم الحج تكون السعودية مقبلة على فترة إيجاد فرص ضخمة للمواطنين والمقيمين على حد سواء. بالنسبة للبعض يوفر الموسم فرصة لتعزيز الإيرادات عبر توفير خدمة نقل الحجاج بسياراتهم الخاصة دونما الحجة لدفع ضرائب. وربما كانت النسبة الفعلية للبطالة في السعودية أقل من المتعارف عليها بالنظر لفرص العمل غير المعلنة خلال موسم الحج وأوقات الذروة للعمرة خصوصا العشرة الأواخر من شهر رمضان المبارك. مؤكداً: يشكل العاطلون طاقات غير مستخدمة الأمر الذي يقلل من فرص التنمية للاقتصاد السعودي بل تبقى التنمية الاقتصادية قاصرة في حال عدم توفيرها سبل العيش الكريم للبعض العاطل عن العمل.