13 سبتمبر 2025
تسجيل"وفقاً لداريوس فوروكس، وهو رجل أعمال ومؤلف مشهور؛ فإن معنى الحياة ليس السعي وراء السعادة، ولكن جعل أنفسنا فاعلين". ومن هذا القول نستشف أن الشعور بالسعادة يأتي من كوننا أشخاصاً مؤثرين بشكل فاعل، فمن الاحتياجات الفطرية الإنسانية هو الشعور بأن الإنسان ذو قيمة ومنفعة لنفسه وللآخرين، وله بصمة واضحة في مجتمعه على امتداده الضيق والأكثر اتساعاً، ويحقق إنجازات مستمرة وذات فائدة، وربما نشعر جميعاً بأهمية ذلك في أعماق نفوسنا، فمعظمنا يسعى لهذا بشكل أو بآخر. غير أن المفهوم اختزل في وقتنا الحاضر، وأصبحت قيمة الفرد ومدى تأثيره مؤطرة ضمن صوره ذهنية مجتمعية قاسية، إذ ترى أن الإنسان لا يصبح ذا منفعة تذكر إلا إذا كان من رواد الأعمال، أو حظي بمنصب كبير أو امتلك العز والجاه والثروة، ومما يزيد الطين بلة ما يحاول بعض دعاة التنمية البشرية والتطوير الشخصي توطينه في النفوس، حين ربطوا النجاح بفرص خيالية قد لا تتاح لكثير من الناس، بينما النجاح حالة نسبية متغيرة من شخص لآخر، كما غلوا في الدعوة إلى حب الذات بمفاهيم وأفكار وأساليب عززت من هيمنة الشعور بالأنانية وحب التملك بعيداً عن اللحمة والتكاتف والنجاح الجماعي، فالإنجازات الفردية هي النمط الغالب، إذ من النادر أن ترى أكثر من شخصين يتقاسمون ذات النجاح، وقد يعود ذلك للاعتبارات المختلفة التي قد تربط العلاقات فيما بينهم، وعدم القدرة على معالجة تلك الاعتبارات، تجعل الأشخاص يميلون للحلول الأكثر يسراً، والاتجاه إلى الفردية في محاولة لتفادي الصعوبات التي قد يواجهونها في عقد الشراكات، غير أن الأخيرة تقوي الصلات الإنسانية في المجتمعات، وتكون المسؤولية فيها مشتركة، والتفكير والتطوير من خلال الجماعة أكثر فاعلية وأجدى نفعاً. وقد يصاب معظم الناس بالإحباط والعجز، نتيجة المقاييس والمعايير المقيدة لهذا المفهوم، بينما ترتبط قيمة الإنسان ونجاحه من خلال إجادته للدور والرسالة التي ارتضاهما في حياته، فكلما كان الهدف والرؤية المرتبطة بالمسعى أكثر شمولية وبعيدة عن الأنا وحب الذات كانت نتائجها وقيمتها أجل وأروع، فأهم النجاحات في رأيي نجاح الوالدين في تقديم نشء واع مثقف على خلق وكياسة للمجتمع، فنجاح الأم والأب في إجادتهما لأدوارهما هو أهم استثمار في الحياة، فكونك أماً متألقة أو أباً بارعاً فهذه غاية وقيمة لا يضاهيها أي نجاح، وبما أن الهدف عظيم فإن النجاح فيه أعظم وهو مدعاة للفخر والتقدير. إلا أننا بتنا في عصر السرعة وابتلينا بتلك الرغبة في الشعور بالأهمية والمكانة العظيمة، وتصنيف النجاح وميكانيزما الوصول إليه الذي يتكرر يومياً على أسماعنا بأقصر وأسرع الطرق، فتنازلنا عن أقوى الأدوار وأكثرها منفعة وأصبحنا نلهث خلف السراب، ونحلم بأشياء قد لا تكون موضوعية أو لا تناسب طبيعتنا وشخصياتنا، نظراً لأن المجتمع يتطلب تلك الصورة المقولبة للنجاح والتأثير، لنكون أحد أعضائه الفاعلين، مقصياً من حساباته أن طبيعة وقدرات الأفراد مختلفة ومتباينة وما يصلح لشخص ما ليس بالضرورة ناجعاً للآخر وبالتالي فإن احتكار الصورة على نمط معين من النجاحات يتسبب في خلق شعور بقلة الثقة وتدني التقدير الذاتي لمن لم تسمح لهم الفرص أو لم يستطيعوا خلق واحدة تصنع منهم أفراداً ناجحين!. فيقاس نجاح الفرد بمدى تمكنه من أداء دوره في هذه الحياة ومدى نفعه لمجتمعه وللإنسانية جمعاء وليس بما حققه من مكاسب مادية أو مكانة زائلة، فقد تكون مربياً فاضلاً أو معلماً مثابراً أو موظفاً دؤوباً فهذا لا يقلل أبداً من فاعليتك وأهميتك في مجتمعك. ولست هنا ألغي فكرة السعي في تحقيق النجاح أو القيمة والتقدير ولكن للتأكيد على أنك يمكن أن تكون إنساناً ناجحاً وفاعلاً من موقعك الذي تشغله حتى وإن كنت بلا عمل فما هو مهم هو أن تملك الهدف الإيجابي السامي وتؤمن به، بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، فالنجاح هو إحساس يمكنك تحقيقه والتلذذ بالشعور به حتى في أضيق الحدود، ولا ينبغي أن نربط فكرة النجاح بالشهرة والظهور المتكرر، فكثير من المشهورين لا يقدمون عملاً حقيقياً، وتنحصر نشاطاتهم في تلويث المجتمع بأفكار واتجاهات مربكة للأيديولوجية المجتمعية والنسيج القيمي للمجتمع. ولكي نخرج من تلك البوتقة الضيقة لشكل الإنسان الناجح، فمن الضرورة الانفكاك من قيود تلك الصورة المؤطرة والاحتفاء بالأفراد من خلال تسليط الضوء على أهمية أعمالهم ووظائفهم، فقد نستبدل نظام التميز القائم على الانضباط في العمل بنظام آخر يسلط الضوء على أهمية الإسهامات التي يقوم بها الموظف مثلاً، وهكذا نحاول إعادة الثقة بقدرات الإنسان وإمكاناته وتمكينه من الشعور بأهمية عمله ودوره المناط إليه. [email protected]