14 سبتمبر 2025

تسجيل

ديون لا تسقط بالتقادم

14 سبتمبر 2020

كل إنسان يدين بالإسلام عليه ديون لابد أن يؤديها قبل أن يموت، وأنا لا أعني الديون المالية فحسب، فهناك ديون أخرى وهي مهمة جداً لا يقبل أن يؤديها عنه أحد، أولها وأهمها دين للخالق جل جلاله وهو دين كبير مهما فعل الإنسان فلن يستطيع أن يؤديه بصورة كاملة، فمنذ سن البلوغ يبدأ استحقاق هذا الدين فيكفيه أن ينظر إلى نفسه لكي يرى بعضاً من عظمة هذا الدين، فتلك الأعضاء المتماثلة فيه من رأسه إلى أخمص قدميه لا تقدر بثمن ومدى أهميتها، وإذا فقد أحدها كيف يتأثر الإنسان من ذلك؟، وقد مَنَّ الله علينا بنعمة كبرى أن جعلنا من أبناء المسلمين وسخر لنا من أملاكه الأرض والسماء والبحار والجبال والشمس والقمر والليل والنهار ومخلوقاته وأشجاره وأنهاره وجعل لنا فيها أرزاقاً كثيرة، وكما قال سبحانه "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"، فيجب على الإنسان أن يؤدي هذا الدين ما استطاع إليه سبيلاً بحسن عبادة رب العالمين وطاعته في كل ما أمر والإحسان إلى خلقه بالقول والفعل والوقوف عند حدوده ونواهيه والابتعاد عن محرماته والدعوة إليه بالتي هي أحسن وإلى مكارم الأخلاق وإلى نبذ الظلم فهو ظلمات وبالحمد والشكر الدائم والاستغفار. ولو جلست أكتب عن هذا الدين لن أستطيع لكن بعض الجاحدين وغير المدركين للعواقب بدلاً من أن يسددوا هذا الدين، والذي ليس من الصعوبة تأديته ضاعفوه وضخموه حتى جعلوه كالجبال الشاهقة، والظاهر أنهم لن يؤدوه ولن يدركوا حجم عقوبته الدنيوية أو في محاكم الآخرة فهناك لا محام يدافع عنك ولا قيمة لك ابن ملك أو شيخ أو أمير أو فقير ولا شهود زور تشتريهم ولا قضاة فاسدون مُسيسون باعوا آخرتهم بدنياهم، ولا توجد في هذا الدين ديون معدومة أو مجدولة فهي مستحقة، لكن يبقى أن أقول إن صاحب هذا الدين لا أحد يستطيع أن يتكهن أو يقيس حجم كرمة ومهما سامح أحد وأسقط عنه شيئاً من دينه أو كله فلن ينقص من ملكه شيء أبدا. وثانيها لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فلقد تحمل هذا الرحمة المهداة إلينا من رب العباد مع أصحابه الكرام المشقة والتعب في نشر هذا الدين الذي أخرجنا به رب العالمين من ظلمات الجهل والجهالة ومن عبادة الأصنام إلى عباده رب العباد، وكم ضرب لنا هذا الكريم أمثلة في التضحية والفداء وفي الصدق والأمانة وفي مكارم الأخلاق وفي التسامح الحقيقي وفي العفو عند المقدرة، وقدم لنا الدين على طبق من ذهب جاهز لكل زمان ومكان، ولكن للأسف كسر بعضنا جزءاً كبيراً من هذا الطبق وشوهه وأخذ يحارب الدين وما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم وعباده الصالحون وجعل مصيبته في دينه وزود هذا الدين كثيراً. وثالثها للوطن الذي أعطانا من فضل الله الكثير ولم يبخل علينا في شيء من المهد إلى اللحد وما زال يعطي، وهيأ لنا بعد الله حياة كريمة ونِعماً كثيرة، فكم يتمنى الكثيرون لو كانوا قطريين لكي ينالوا هذا الخير، وهو جدير بعد كل هذا برد الدين وتسديده بالمحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه ضد الأطماع الخارجية، كذلك على ممتلكاته والإخلاص في العمل بالصدق والأمانة وسد أنابيب الشفط التي تشفط المال العام بطرق ملتوية والابتعاد عن الفساد الذي أكل أرزاق الناس ومفاصل الدول سواء كان بالقانون أو بطرق ملتوية. رابعاً دين هو الآخر عظيم للوالدين اللذين تعبا كثيراً في تربيتنا، فكم تحملت الأم وسهرت وتعبت في سبيل ذلك، وكم تعب الأب في البحث والتعب على تأمين الحياة الكريمة لنا منذ الولادة وصرف علينا وتعلمنا حتى أصبحنا رجالاً فاعلين في المجتمع فيحتاجان منا كل احترام وتقدير ورد هذا الدين برعايتهما والإحسان إليهما بالقول والفعل وخاصة عند الكبر وعدم زيادة الدين بإيداعهما في دار المسنين وهذه النذالة بعينها. [email protected]