14 سبتمبر 2025

تسجيل

عقوبات أمريكا.. إفراغ سلة الغذاء العربي

14 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); إذا كان السودان هو السلة المرتجاة لغذاء العالم العربي فإن عقوبات أمريكا هي المسؤولة عن تأجيل الحلم.. ومقولة إن السودان سلة غذاء العالم العربي ليست محض مزحةٍ عابرةٍ، أو تخرصًا بالباطل يطلقه أهل السودان لرفع شأن بلادهم، كما أنها ليست خلعةً يمتن أحد من العالمين أن تفضل بها على تلك الأمة.. بل عوضًا هي واقعٌ تصدقه السهوب البكر، وفيوض الماء، وقطعان ماشيةٍ تسرح في بريةٍ بكامل عافية المرعى.. أما باطن أرضه فما تزال كنوزه مطمورة تنتظر البوح الجهير في كل منعرجٍ وكل ثنيةٍ. وعندما يتطرق الجدل حول اقتصادات العرب لشأن السودان، وقبل سماع الدفوع المنطقية حول أسباب تأجيل ذلك الحلم، ينبري البعض - حتى من يطلق عليهم خبراء - لتبني المبررات السهلة بسخريةٍ وانصرافيةٍ ساذجةٍ فجة، شأن كيل اللوم للسودانيين أو لسوء إدارتهم للموارد، بحيث يحمل أهل السودان خططهم وإدارتهم وهمتهم وحكوماتهم ذلك الوزر. ويجهل هؤلاء أو ربما يتجاهلون الظروف التي ظل يكابدها السودان منذ استقلاله وعلى رأسها حرب الجنوب. أما الأدهى والذي قعد بحلم السودان عن تحقيق حلم العرب فهو العقوبات الأمريكية التي ابتدرتها إدارة كلينتون منذ العام 1997 ثم سار على نهجه كلٌ من بوش وأوباما. وتشمل العقوبات الأمريكية حظر كل أنواع التعامل التجاري والمالي مع السودان، بحيث أخرجت القطاع المصرفي السوداني من المنظومة المالية العالمية كما شملت أيضا منع تصدير التكنولوجيا، والحجز على الأصول السودانية. ومن ضمن أكثر المتضررين بتلك العقوبات المجال الصحي والمرضى، والخطوط الجوية السودانية، وسكك حديد السودان كما تأثر أكثر من ألف مصنع توقف غالبها جراء العقوبات بالإضافة لقطاع التعليم. وتقدر مصادر إجمالي الخسائر السودانية بنحو 500 مليار دولار. وتقدّر الخسائر غير المباشرة التي يتكبدها السودان جراء العقوبات بأربعة مليارات دولار سنويا. ولقد ظل تجديد تلك العقوبات روتينًا سنويًا تمارسه الإدارات المتعاقبة غير آبهة لا للمبررات التي انبنت عليها تلك العقوبات، ولا لما ثبت لديها عبر مؤسساتها المختصة بأن السودان براءٌ مما ألصقته به معلومات هشةٌ ومغلوطة، أو جماعات ضغط صغيرة الحجم كمثل مشروع (كفاية) الذي تقف وراءه عناصر موتورةٌ من أمثال الكاتب برندرغاست. وواهم من يتصور أن الحديث عن عقوبات أمريكا وتأثيراتها العميقة يعني أن السودان ينتظر الهبات أو القروض والمنح من الدولة العظمى.. الواقع أن العقوبات قطعت الطريق على كل الشركات الراغبة في التعامل مع السودان من لها علاقات تجارية مع نظائر أمريكية أو ممن تتعامل مع المصارف الأمريكية، كما قيدت حركة المصارف العالمية من التعامل مع السودان طالما أن دورتها المالية تمر عبر أمريكا. وتعترف كافة الدول بموارد السودان وصلاح بيئته للاستثمار بيد أنها تعتذر بأن دورة المال العالمية التي تتحكم فيها أمريكا لا تتيح متسعًا للمعاملات. وأمريكا التي تلتفت لجماعات الضغط الموتورة ذات القناعات والمنطلقات والرؤى الخديج تأنف أن تنصاع لرؤى وأطروحات مفكريها، ويكفي هنا ما يقرره المفكر السياسي د. هينري كيسنجر: (وللأسف، فإن السياسة الداخلية تقود السياسات الخارجية الأمريكية في الاتجاه المعاكس. ولا يشرع الكونجرس تكتيكات السياسات الخارجية وحسب؛ بل يسعى لفرض منظومة سلوكٍ على الدول الأخرى عبر مجموعةٍ من العقوبات، بحيث تجد العديد من الدول نفسها حاليًا خاضعةً لتلك العقوبات. ولقد رضخت الإدارات المتعاقبة لذلك الواقع جزئيًا كحلولٍ وسط للحصول على الدعم لإنفاذ برامج أخرى، وجزئيًا بافتراض أن غياب المهدد الخارجي المباشر يجعل السياسة الداخلية أكثر أهمية للبقاء في سدة الفعل السياسي من السياسة الخارجية. وما يبدو من انتقادات خارجيةٍ بأن أمريكا تنتهج مسلكًا متغطرسًا للهيمنة هو في الغالب تجاوب مع جماعات الضغط المحلية والتي تستطيع تسليط الضوء على قضايا أساسية عبر التعهد بالدعم، والتهديد بنقيضه خلال الانتخابات، كما أنها تدعم قضايا بعضها البعض حتى يتحصل على دعم نظرائها مستقبلًا. ومهما تكن من ميزةٍ للأفعال التشريعية الفردية، فإن تأثيرها التراكمي يدفع بالسياسة الخارجية الأمريكية للتصرف الأحادي بل والبلطجة في بعض الأحيان. وخلافًا للتواصل الدبلوماسي الذي عادةً ما يكون دعوةً للحوار فإن التشريعات تستحيل لوصفة مفادها (خذه كلًا أو اتركه كلًا) المعادل العملي للإنذار. هنري كيسنجر – من كتابه: نحو دبلوماسيةٍ للقرن الحادي والعشرين – هل أمريكا بحاجةٍ لسياسةٍ خارجية؟ وفيما يتعاظم الوعي داخل منطقتنا بأبعادها وارتباطاتها العربية والإفريقية وعلى المستوى العالمي بأن العلاقات الدولية يتوجب أن تداخلها الأخلاق حتى تسمو بإنسانية الإنسان، ومن ثم تحقق أهدافها في خير الإنسانية، فإن الحاجة تبدو ملحةً لحراكٍ منسقٍ بين الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية لرفع الظلم عن السودان بمباركة دول المنظومتين، وبدعمٍ من كل الشعوب المحبة للسلام بمن فيهم الشعب الأمريكي بمعزلٍ عن جماعات الضغط التي أشار لها كيسنجر.