20 سبتمبر 2025

تسجيل

السياسة بين فنين وممكنين.. فن الحصول على الممكن وفن من يحدد الممكن

14 أغسطس 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); (1)تعريف مصطلح "السياسة" (خطأٌ شائع)، أو بالأصح أو الأدق تعريف وظيفة السياسة بأنها "فن الحصول على الممكن" هي نظرية (لمكيافيلي) الذي ظهر في القرن السابع عشر. ولا تكتمل نظريته الفلسفية هذه إلا مع نظرية فلسفية أخرى مكملة لها وهي أن "الغاية تبرر الوسيلة" في ممارسة السياسة.(2)طبعاً كلتا النظريتين مطبقتان وبقوة في السياسة العالمية. لأن (مكيافيلي) اليهودي الصهيوني – حسب مصادر أمريكية وأوروبية - أصلاً ومن الأساس أنشأ النظرية للأقوى لتبرر أفعاله في العالم كما سيمر بنا (مثال: احتلال واغتصاب فلسطين). وقد لا يُلام (هتلر) الذي هاجر من بلده النمسا إلى ألمانيا وفي ذهنه تصفية الصهاينة من اليهود الذين يرون أنهم فوق العالم. وهو أيضاً دليلٌ على استيعاب (هتلر) لنوايا اليهود الصهاينة المبكرة في أوروبا والعالم.(3)إنه منذ نهاية الحرب الكونية الثانية أخذ الغرب (الطرف الأقوى) المنتصر هذه النظرية وصهاينة اليهود (نميزهم عن يهود آخرين معادين للصهيونية وهم كثر في العالم وفي بريطانيا وهم الحاخامات) طبعاً في الطليعة باعتبارهم أو باعتبار أسلافهم ضحايا للنازية الأوروبية للسيطرة على العالم وللانتقام والمتاجرة "بالهولوكوست". (4)النظرية عنصرية (وقطعاً الصهيونية شكل من أشكالها) بلا أدنى ريب (والريب هنا أوسع من مجرد الشك) ولا تقل عنصرية عن نظرية (داروين) "البقاء للأقوى" أي للعنصر الأبيض الأقوى التي برزت خلال القرن التاسع عشر. هنا أيضاً البصمة الصهيونية اليهودية واضحة فداروين يهودي صهيوني يؤمن بتفوق العنصر الأبيض اليهودي الأمريكي والأوروبي. وإلى حد ما النظرية الثانية هذه (لداروين) تكمل النظريتين الأوليين (لمكيافيلي)، وكل السلوكيات السياسية لأمريكا والغرب وإسرائيل في العالم العربي وغيره كما سيتضح ترجمة فعلية لهاتين المدرستين "المكيافيلية" و"الداروينية". (5)القاسم الأعظم المشترك بين نظريتي (مكيافيلي) ونظرية (داروين) هو القوة والتسلط وضمان نجاح تفوق اليهود على العالم باستخدام قوى منتصرة وغنية وهو ما حدث بالفعل ابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد حاول (هتلر) بدءاً من 1933 أن يقلص نفوذهم إلى حد ما. الأقوى وهو العنصر الأبيض اليهودي الصهيوني (في أمريكا والغرب بالتحديد وفي روسيا وأوروبا الشرقية) أذكى من سواه وبالنتيجة يستحق البقاء. وعليه أن يُفْني كل من هو ليس بأبيض أو يهودي لأنه أقل ذكاءً وبالتالي لا يستحق البقاء. وعليه؛ فإن العنصر الأبيض القوي هو من يحدد ما هو ممكن وما هو غير ممكن لأن في السياسة "الغاية تبرر الوسيلة".(6)لتكتمل الصورة هنا نعطي مثالاً على ماهية الممكن أمريكيا وهي قصة تاريخية مثيرة. فعندما اكتشف علماء (مدرسة فرانكفورت) الألمانية أسرار القنبلة النووية أو الذرية بعد مجيء (هتلر) للسلطة في ألمانيا أخفوا الخبر عنه؛ لأنهم افترضوا أنه مجنون وإن قدموا له القنبلة فسيحرق العالم. وعليه ارتأوا أن يهاجروا إلى أمريكا ففعلوا وافترضوا بالمقابل أن (هاري ترومان) الرئيس الأمريكي عاقل فقدموا له القنبلة، ولأنه تلميذ مدرسة "السياسة فن الممكن" ألقى القنبلة على هيروشيما ونجازاكي عام1945 وأحرق مئات آلاف اليابانيين منهيا الحرب لصالحه ولصالح الحلفاء وطبعاً نعرف جميعاً ما يعانيه اليابانيون من جراء ذلك إلى هذا اليوم نتيجة الإشعاعات. (7)"الغاية تبرر الوسيلة" تعني أن تصل في السياسة إلى غايتك بصرف النظر عن نوع الوسيلة؛ تسرق.. تعتدي.. تقتل.. تحتل.. تدمر.. مثال: (ترومان والقنبلة الذرية على اليابان) إلخ.. تحت مظلات مثل الحرية.. الديمقراطية.. وخلاص الشعوب وغيرها. وهي سياسة بدون أخلاق، ولم يسلم الفردُ الأمريكي والأوروبي منها فقد انتقلت عدوى حكوماته إليه. فكثير من الأفراد يتبناها أسلوب حياة وغدت حالة ذهنية مترسخة لديه. وهي أخلاق يهودية صهيونية بامتياز (انظر مسرحية "تاجر البندقية" مثلاً لشكسبير). (8)مثلاً؛ عندما يأتي الأمريكي أو الأوروبي الغربي ليعمل في أحد البلاد العربية أو غيره (يأتي على الأقل بحالة ذهنية متصهينة) مما أطلق عليها الغرب تسمية "العالم الثالث" ليهينها ويستغلها لأن شعوبها – كما يفترضون - أقل ذكاء منهم وغير قادرين على تسيير وإدارة بلدانهم (أي أنهم يُنظر إليهم على أنهم زومبيز) يستهينون بقدرات الشعوب الذين يأتون لبلدانهم للعمل وطلب لقمة العيش ورغم ذلك يتعاملون معم باستعلاء. (9)لما كان ذلك كذلك؛ فإن الأقوى هو من يحدد ماهية الممكن وعلى الضعفاء أن يذعنوا ويكتفوا بالإصغاء ويتحولوا إلى عبيد مأمورين. هذه الحقائق عن نظريتي (مكيافيلي) و(داروين) لا يفقهها الكثير ممن يمكن أن يوصفوا أو لا يوصفوا "بالنخبة" في العالم العربي.(10)في أحاديثهم غالباً ما يعرِّفون السياسة بأنها "فن الحصول على الممكن"، وكأنهم أتوا بما لم يأت به الأوائل، طبعاً هم في ظني لا يدركون أنهم مضللون في ذواتهم ومضللون لغيرهم في آنٍ واحد. مجرد انبهار بالعبارة حتى أن كثيراً منهم لا يعرفون من قائلها ومتى وما دوافع النظرية.(11)أذكر – فيما أذكر - أن مذيعاً في إحدى القنوات المرئية العربية العالمية الموصوفة "بالمستقلة" كان يستضيف شخصاً وصفه بالمفكر - ولا أدري ما المعايير التي على أساسها بني وصفه – في حصة أو حلقة تناقش ما يُعرف "بحل الدولتين" فإذا بالمفكر كسائر "مفكري النخبة العربية" يثير إعجاب المذيع بقوله: "السياسة في النهاية هي فن الممكن"، واعتقد المذيع أن تلك المقولة من بنات أفكار المفكر ولم يُخفِ انبهاره بها.(12)ربما أن كليهما لم يعرفا أن المقصود بالممكن هو الذي لا يحدده الجانب الفلسطيني ولا العربي لأنه طرف ضعيف، وإنما الذي يحدد الممكن هو إسرائيل ومعها ومن ورائها أمريكا والغرب لأنها الطرف الأقوى. ولذلك تجد الجانب الفلسطيني أو العربي يذعن على غرار قول المتنبي: "ومن نكدِ الدنيا على الحرِّ أن يرى عدواً له ما من صداقتِهِ بُد".(13)إسرائيل هي من تحدد أن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وأن بناء ما يسمى بالمستوطنات أو المغتصبات في القدس الشرقية والضفة الغربية حق مشروع لها، وأن القتل والهدم والاعتقالات دفاع مشروع عن النفس، وكله يتنافى طبعاً مع القانون الدولي، ولكن من يحدد القانون الدولي؟ الأقوى، والأقوى أمريكا تقول إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها وكأن الفلسطينيين هم الذين يحتلون إسرائيل، إلى غير ذلك من الممكنات التي يحددها القوي والأقوى حسب النظرية.(14)إذن؛ إسرائيل وأمريكا والغرب ودول الكثافة اليهودية الصهيونية الأخرى كروسيا وأوروبا الشرقية تفرض على العالم تقريباً كل يوم أن "السياسة هي فن الحصول على الممكن" وأن "الغاية تبرر الوسيلة" وأن البقاء للأقوى وأنهم - من خلال السطور - لا يحترمون إلا القوي (تأملوا مثلاً كوريا الشمالية وإيران والصين)، وبالنتيجة يريدون أن يملوا علينا أنْ ليس في الإمكان أفضل أو أبدع مما كان، وهي مقولة يرددها كثير من العرب حكاماً ومحكومين. بمعنى ارضوا بالممكن الذي نحدده نحن الأقوياء الصهاينة ومن ورائهم وليس من أمامهم أمريكا وكل قوى الممكن المفترضة.(15)لكن هزيمة الأمريكيين ومعهم الناتو في فيتنام ولاوس والكوريتين وأمريكا اللاتينية وأفغانستان والعراق وجنوب لبنان وفلسطين – غزة (رغم قسوة الحصار) تدل على هزيمة الممكن.. عربيا مثلاً؛ لأول مرة في تاريخ الصراع يستطيع (حزب الله) – مع كل اختلافنا معه في الأزمة السورية – في 2006 أن يظل يطلق صواريخه على إسرائيل بكل قوة دول الممكن أمريكا والغرب وبعض دول العرب إلى آخر لحظة قبل عملية وقف الحرب. وكان انتصاره وفق معيارين: الأول؛ قدرته على شن إطلاق الصواريخ إلى آخر لحظة، والثاني؛ عدم تمكن الممكن الإسرائيلي ومعه كل قوى الممكن الأمريكية والغربية وغيرها من تحرير أسيريه، وقبلها في 2000 حرر "حزب الله" الجنوب ومعتقلي معتقل الخيام ودحر الممكن الصهيوني الأمريكي الغربي.(16)كذلك لأول مرة (مثال عربي آخر) في تاريخ الصراع (حماس) في غزة تفرض شروطها على إسرائيل خلال الحرب الصهيونية على غزة خلال السنة الوحيدة لولاية الرئيس المصري (محمد مرسي) المنتخب لأول مرة في تاريخ مصر الممتد لاثني عشر ألف سنة. هزيمة أخرى للممكن.. إذن لنخرج نحن العرب من نفق "أن السياسة هي فن الممكن" الصهيوني الأمريكي الأوروبي شرقيِّه وغربيِّه ونحدد نحن الممكن عربيا.