02 نوفمبر 2025
تسجيلوفرت لي الزيارة التي قمت بها إلى مصر نهاية شهر يوليو فرصة لمعرفة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد بعد ستة أشهر على الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس المخلوع حسني مبارك. في تصوري، يمكن حصر التحديات الاقتصادية الرئيسة التي تواجه مصر بالبطالة والفقر والتضخم والعجز في الميزانية العامة وتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية فضلا عن المديونية الخارجية. في المقابل، توفر عوائد القطاع السياحي إضافة إلى تحويلات العمالة المصرية المهاجرة مصادر مهمة للتكيف مع التحديات الاقتصادية. تبلغ نسبة البطالة حوالي 10 في المائة كحد أدنى عدا ظاهرة البطالة المقنعة حيث يعمل عدد غير قليل من الناس في وظائف تقل عن مستوياتهم العلمية بقصد تهيئة لقمة العيش لهم ولأحبتهم. كما هناك معضلة في إيجاد فرص عمل للداخلين الجدد لسوق العمل في ظل ظروف اقتصادية غير مؤتية. يشكل السكان دون سن الخامسة عشرة نحو ثلث السكان أي قرابة حجم القوى العاملة في الوقت الحاضر. استنادا لإحصائية تعود لشهر يوليو 2011، يبلغ حجم السكان في مصر 82 مليون نسمة أي في المرتبة رقم 15 دوليا والأولى عربيا. يبلغ حجم القوى العاملة في مصر نحو 26 مليون فرد أي نحو ثلث السكان. تعتبر هذه النسبة متدنية حيث تشكل القوى العاملة نصف السكان في العديد من الدول مثل الولايات المتحدة. ويعود الأمر بشكل جزئي إلى ظاهرة محدودية مشاركة الإناث في القوى العاملة لأسباب اجتماعية من قبيل التركيز على تربية الأطفال. مصدر التحدي هو توقع دخول عدد كبير من الشباب إلى سوق العمل في غضون سنوات بحثا عن وظائف تتناسب وتوقعاتهم من حيث النوعية والمزايا وفرص الترقية. وربما تسببت الثورة في إحداث نوع من الانحسار للوظائف في ضوء تراجع النشاط التجاري. كما هناك معضلة التضخم والتي تم تقديرها بنحو 13 المئة في العام 2010 ومؤكداً أنها تفاقمت بعد اندلاع الأزمة الداخلية بسبب نقص التوزيع للمواد التموينية بسبب أعمال البلطجة في العديد من المناطق. يعتبر التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد لأنه يعكس عجز السلطات على تبني سياسات اقتصادية سليمة. بل تعاني مصر من الثنائي الخطير أي التضخم والبطالة ما يشكل تهديدا للسلم الاجتماعي. يضاف لذلك معضلة الفقر حيث يعيش 20 في المائة من المواطنين على أقل تقدير تحت خط الفقر. على المدى القصير على الأقل، أسهمت الثورة في تعقيد معضلة الفقر بالنظر للمعضلات التي تواجه عملية توزيع المؤن وتراجع عدد الزوار. كما تواجه مصر صعوبات بالنسبة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي تتميز بأنها طويلة الأجل. فقد كشف تقرير الاستثمار العالمي للعام 2011 الصادر من قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو (الأونكتاد) استمرار ظاهرة تراجع قيم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة لمصر من 11.6 مليار دولار في العام 2007 إلى 9.5 مليار دولار في 2008 ومن ثم 6.7 مليار دولار في 2009 وأخيرا 6.4 مليار دولار في 2010. على سبيل المقارنة، استقطبت السعودية استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 28.1 مليار دولار في 2010 أي عدة مرات أكثر من مصر. إضافة إلى ذلك، يعاني الاقتصاد المصري من معضلة المديونية حيث يشكل الدين العام قرابة 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لمصر 219 مليار دولار حسب الأرقام الاسمية. يشمل الدين العام مديونيات خارجية في حدود 31 مليار دولار. فضلا إعادة دفع الرأسمال، يتحمل الاقتصاد المصري وزر خدمة الدين الأجنبي والتي تزداد وطأتها في حال التأخير أو إعادة الجدولة. أخيرا وليس آخرا، هناك مسألة العجز في الميزانية العامة والذي بلغ في 2010 نحو 17 مليار دولار بعد تسجيل نفقات بقيمة 64 مليار دولار. عوائد السياحة وتحويلات العمالة وعلى هذا الأساس يمكن تفهم الأهمية النسبية لعوائد القطاع السياحي ومن تحويلات العمالة المصرية المهاجرة من جهة أخرى. فقد استقطبت مصر نحو 14.7 مليون سائح في العام 2010 أي الأفضل بين الدول العربية. فضلا عن توفير فرص العمل وتنشيط الاقتصادات المحلية في مختلف المدن المصرية، يشكل العائد الاقتصادي للقطاع السياحي والذي بلغ 13 مليار دولار في 2010 مصدرا مهما للحصول على العملة الصعبة وبالتالي التعامل مع المديونية الخارجية. لكن هناك أحاديث متكررة من سواقي سيارات الأجرة والمسؤولين في الفنادق حول انخفاض أعداد الزوار دونما طرح أرقام لأسباب تشمل العامل الأمني في ظل غياب الشرطة من بعض الشوارع كرد فعل على التصرفات الطائشة لبعض الشباب الراغب في الانتقام لكل ما له علاقة بالنظام السابق. يضاف لذلك ظاهرة البلطجة، حيث يقوم البعض باستعراض للقوى وإرهاب والتنكيل بالآخرين بهدف الحصول على أموال أو مقتنيات ثمينة. كما تعتمد رفاهية الاقتصاد المصري بشكل جزئي على تحويلات العمالة المصرية المهاجرة للحصول على العملات الصعبة لدفع الالتزامات المالية المرتبة. استنادا للبنك الدولي، بلغت قيمة تحويلات العمالة المصرية نحو 7.6 مليار دولار في العام 2010. تعتبر تحويلات العمالة المصرية المهاجرة ثاني أهم مصدر دخل للعملات الصعبة بعد عوائد القطاع السياحي. بل تشكل تحويلات العمالة المصرية والذين يعمل جلهم في دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا الكويت والسعودية، مصدرا مهما للتعامل مع العجز المالي من جهة والتعامل مع المديونية الأجنبية من جهة أخرى. ويتطلب الحفاظ على هذا المصدر المهم ضمان تنفيذ مصر لسياسية خارجية متوازنة لا تتسبب في اتخاذ الدول المضيفة للعمالة إجراءات تحد من حجم العمالة المصرية. ختاما، الأمل كبير بأن يسترجع الاقتصاد المصري عافيته بل تعزيز مكانته على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالنظر للإمكانات البشرية لمصر.