11 سبتمبر 2025
تسجيلسأكتب اليوم عن موضوع شخصي وخاص-عن رحيل والدتي رحمها الله وغفر لها-وجعل الجنة مثواها. سأكتب للمرة الأولى عن مشاعري التي سيطرت علي وتسيطر وتتحكم بالإنسان إثر فقده أكثر الأشخاص قرباً منه وتأثيرا عليه والشعور المؤلم برحيل الوالد أو الوالدة أو أحد الأخوة أو الأقارب. وكل واحد منا لا شك مر وعاش تلك التجربة المؤلمة-التي دائماً تترك أثراً وجرحا لا يندمل على مر الزمان والمكان... لن أكتب وأقدم في مقالي المختلف هذا، تحليلاً معمقاً وموضوعيا عن حدث خليجي أو عربي أو دولي. مقالي اليوم ليس تحليلاً لحرب إبادة الصهاينة على غزة-في شهرها العاشر وبعد حوالي 290 يوما من القتل الوحشي النازي! ولا عن الأمن الخليجي وانتخابات الرئاسة الإيرانية وماذا يعني فوز الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان-ويبقى منصب الرئيس بلا صلاحيات! ولا عن صدمات نتيجة انتخابات بريطانيا وفرنسا، ولا عن حرب بوتين على أوكرانيا، وقمة الناتو برئاسة بايدن في واشنطن وتورط الناتو في حرب استنزاف باتت بلا أفق ضد روسيا. ولا عن انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهل ينسحب بايدن ويُستبدل بنائبته كاميلا هاريس. وعن دجل ترامب وخرقه للقيم والمبادئ وقوانين الولايات والحكومة الفيدرالية البارع والمتمرس فيها ترامب منذ سنوات. واختطافه الحزب الجمهوري وتحويل أتباعه لطائفة تؤمن بتخرصاته. وسرقته للأضواء في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري هذا الأسبوع بخطابه وإعلانه اسم مرشحه لمنصب نائب الرئيس. لمنافسه بايدن (إذا لم ينسحب من سباق الرئاسة) بعد تعالي المطالبات من دخل حزبه الديمقراطي بالانسحاب لنائبته أو شخصية قيادية من حزبه. بسبب ما يبدو تراجع قدراته العقلية والإدراكية. وآخرها خلطه في قمة الناتو-استضاف بايدن فيها رؤساء وقادة 31 دولة الآخرين، الأعضاء في حلف الناتو في واشنطن، كانت صادمة هفوة الرئيس بايدن عند تقديمه الرئيس الأوكراني زيلنسكي-أطلق عليه الرئيس «بوتين»! وسط صدمة ودهشة الرئيس الأوكراني والحضور. برغم تدارك بايدن لخطئه وتصحيحه بسرعة، لكن عدد مشاهدات مقطع فيديو هفوة 14 ثانية، وصل لملايين المشاهدات في ساعات. ما أعاد مجدداً طرح الأسئلة المحرجة هل بايدن مؤهل للبقاء في سباق الرئاسة؟ وهل الأفضل له ولحزبه المنقسم داخلياً التنحي والتنازل عن ترشيح حزبه واستبداله نائبته كاميلا هاريس لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي في مواجهة مرشح الحزب الجمهوري ترامب ومن سيختاره مرشحا لنائب الرئيس اليوم؟ خاصة وأن عدد النواب وأعضاء مجلس الشيوخ من حزب الرئيس بايدن الذين يطالبون بتنحيه يزداد يومياً خشية خسارة الانتخابات لترامب ومعه أغلبيتهم في مجلس الشيوخ!-وهناك تلميحات أن قيادات الحزب كالرئيس أوباما-كان بايدن نائبه لثمانية أعوام، وكذلك نانسي بلوسي-المرأة الحديدة في النظام السياسي الأمريكي وأول رئيس لمجلس النواب الأمريكي والقيادية في الحزب الديمقراطي وبعدما كانت من أكثر الداعمين والمؤيدين لبقاء بايدن في سباق الرئاسة-بدأت تتراجع-وتكرر الأمر يعود للرئيس بايدن. فيما يصر بايدن على البقاء في سباق الرئاسة ويؤكد ترشحت للفوز بالرئاسة مجدداً-وليس لأنسحب-وأعلم كيف أفوز. هزمت ترامب عام 2000 وسأهزمه مجدداً في انتخابات الرئاسة في نوفمبر 2024. أعود لموضوع مقالي اليوم-برغم مرض والدتي رحمها الله وغفر لها، ودخولها المستشفى للعلاج كل عدة أشهر منذ سنوات، بسبب التهاب ومشاكل مزمنة في جهازها التنفسي، وبرغم تراجع وضعها الصحي، لتصبح طريحة الفراش منذ سنوات-إلا أن الأمل كان دائما أنها ستتمكن من التغلب على وضعها الصحي الذي كان يزداد صعوبة. خاصة أن المؤمن متفائل بطبعه. لكنني اكتشفت عدة حقائق مؤلمة في التعامل مع وفاة قريب فما بالك بوالدتك؟ الحقيقة الأولى برغم بقاء هاجس الوفاة نتيجة للمرض الذي يشتد ويقوى تأثيره، ومحاولاتي ألا أفكر به، إلا أنك مهما استعددت لتلقي ذلك النبأ المؤلم، فإنك ستُصدم وتنهار بمجرد إبلاغك بخبر الوفاة من الطبيب المعالج.. كثير منا تلقى خبر وفاة والده أو والدته المرضى ولكن صدقني مهما تحضّرت لتلقي ذلك الخبر الصادم والمزلزل-لن يمكنك تحمله!! الحقيقة الثانية-كما علقت في تغريدة على نبأ رحيل الوالدة رحمها الله وغفر له وأموات المسلمين-»تيقنت الآن أن فِراق الأم هو أصعب فِراق يعيشه الإنسان...» نعم منذ أن تلقيت النبأ الحزين بوفاة الوالدة، وقيامنا بإجراءات الدفن وتلقي العزاء من الأهل والأقارب والزملاء والأصدقاء وبرغم دخولي العقد السادس من عمري وبعد خمسة أيام، بدأت أشعر باليتم والضياع. ولم أعد استسيغ النقاش والجدل والخوض في أمور كانت بالنسبة لي مهمة وأوليها متابعة. يسكنني شعور مختلف وغير مسبوق. صرت أقدّر وقت أطول مع أهلي-زوجتي وأبنائي وأخوتي وأخواتي أكثر. لم أعد أضيع وقتي واستسيغ النقاش والجدل حول قضايا لم تعد من سلم أولوياتي واهتماماتي، صارت بالنسبة لي جانبية وغير ذات بال. وتذكرت مقولة قرأتها أو سمعتها منذ زمن بعيد، أنه علينا زيارة بين فترة وأخرى المستشفيات ليس لزيارة والاطمئنان على قريب أو صديق أو زميل فقط، ولكن لنحمد الله على صحتنا وعافيتنا لأن «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى»! وربما نكون نحن من يزورنا أهلنا وأقرباؤنا وأصدقاؤنا. كان شقيقي رحمه الله يزور المقبرة يومياً لصلاة الجنازة. على المتوفين. وعلينا زيارة المقابر ليس لنشارك بتشييع قريب أو صديق فقط، ولكن لنتعظ ونتفكر بمن يُورون الثرى ويهيلون التراب على جثامينهم-لأنه سيكون مستقرنا ومكاننا بعد وفاتنا ورحيلنا من دار الفناء إلى دار البقاء.. سبحان الله «خُلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين»! ومع ذلك يبقى الإنسان ضعيفا وعاجزا مهما بلغت قوته وبلغ جبروته وسلطانه. وفي نهاية الأمر سنرحل ويبقى عملنا وما خلفناه من سمعة وإرث يتذكروننا به! رحم الله والدتي وموتاكم..