27 أكتوبر 2025
تسجيلكان قد أُقيم منذ عشرين عامًا، في الطرف الشرقي من البلدة، وبالقرب من ضفاف نهر موسمي صغير اسمه نهر (بابي)، يمتلئ صيفًا، ويجف شتاءً، نصبٌ تذكارية من الحجر الأملس، تخليدًا لذكرى الزعيم (ماجوك)، أحد زعماء القبائل المحلية، والذي قيل إنه أول من آخى بين أبناء الجنوب، وقبائل العرب التي نزحت إلى المنطقة من الغرب والوسط، وحتى من الشمال البعيد، واحتكرت التجارة بالكامل، وكان فيها دعاة مخلصون أسهموا في انتشار الإسلام بين السكان، وأيضًا نصابون بلا ضمير، وعنصريون تعربد في أذهانهم أحلام تجارة الرقيق الرائجة في ذلك الحين. قيل إن الزعيم ماجوك، ألقى بحربته في ذلك المكان بعد أن كسرها نصفين، وطالب الجميع بكسر حرابهم وإلقائها بجانب حربته، ألقى قصيدة شعر من نظمه بعدة لهجات محلية، تمجد التآلف، وتذم الخصام، وأشرف بعد ذلك على زيجات عديدة خصبة، تمت بين العرب والزنوج، وأنتجت أجيالًا تحمل ملامح من هنا وهناك، وعادات موروثة من الطرفين. في ذلك المكان، وتحت النصب مباشرة، كانت تنحر الذبائح في كل عام، تقدم الرقصات المبتهجة، ويأتي خلقٌ كثير من أماكن قريبة وبعيدة، ليشهدوا ذلك الاحتفال الكبير ويشاركوا فيه بالغناء والرقص. وينتهز تجار البلدة تلك الفرصة، بنقل بضائعهم الخفيفة لتسويقها وسط المحتفلين، وربما عثرت فتاة عازبة على زوج ما كانت لتعثر عليه في مكان آخر، أو التقى قلب واجف بقلب واجف، ودخلا في دوامة الحب المنكود، وكثيرًا ما كانت الشرطة المحلية تعثر بين المحتفلين على لص هارب، نبشت البلدة بحثًا عنه ولم تجده، أو يتهور أحد قادة المتمردين الكبار، بالظهور علانية وهو يرقص ويغني، معرِّضًا حريته وحياته للخطر. ورغم ذلك كله، لم تكن الصراعات بين العرب والزنوج، أو بين القبائل المختلفة للزنوج أنفسهم، قد انتهت تمامًا، وظلت باقية، لكن أقل حدة من قبل.في ذلك المكان بالضبط، ومنذ أكثر من عشر سنوات، التقى رابح مديني بسوشيلا أكوال التي تنحدر من قبيلة الزاندي المحلية، المعروفة بفروسية الرجال، وملاحة النساء، ولم تكن من سكان البلدة، لكنها قدمت من ريف بعيد لتحتفل أسوة بالجميع. كان رابح في نحو الخامسة والخمسين وكانت في التاسعة عشرة، هو تزوج وطلق، وتزوج وطلق مرة أخرى، من دون أن ينجب، وهي لم تتزوج قط. كانت أول فكرة خطرت بباله حين شاهدها حافية، مكسوة بعقود الخرز، وسن الفيل، ودائخة تحت نظرات الرجال، ترج جسدها في حمى الرقص الجماعي، هي أن يهديها صندلًا متميزًا بألوان الطيف، جلبه ذات مرة، من إحدى رحلاته الروتينية إلى أوغندا، ولم يعرضه للبيع قط، ألبسها الصندل في خياله، وجعلها تتمشى به قليلًا، ثم تنزعه، وتقف أمامه برشاقة. عند تلك النقطة، لم يستطع أن يسيطر على مشاعره أكثر، همس في أذن صديقه (آدم مطر) الذي يقف بجانبه، وكان من نفس قبيلته، ويملك مطعمًا في السوق اسمه مطعم (بابايا): - قل لي يا صديق.. هل سأكون مغفلًا، لو تزوجت من تلك الفتاة؟- بل تكون مغفلًا لو لم تتزوجها.