12 سبتمبر 2025

تسجيل

أهل مكة أدرى بشبابها

14 يونيو 2021

يُرسخ العقل الجمعي بعض الآراء والأفكار غير الدقيقة والتي تشكل صورة نمطية سلبية عن بعض الفئات، كتلك الصورة النمطية التي وصم بها الشباب القطري في عزوفه عن العمل والإبداع. ولقد تشرفت بالعمل مع مجموعات شبابية تطوعية وغير تطوعية أثبتت أن التصور الذهني الأبرز عن الشباب القطري تصور قاصر، وقد عرقل الكثير عن النجاح والإبداع وحرمهم من الصلاحيات. ومن المحزن تغلغل هذه الصورة المجحفة التي أصبحت ضرباً من القولبة الجائرة في حق الشباب الواعد ووصولها لكل أطياف المجتمع ما بين المواطن وغير المواطن، فأصبحت الذريعة التي يتغنى بها بعض أفراد المجتمع من غير المواطنين ليقنعوا من حولهم بأنهم الأفضل بشهادة أهل البلد أنفسهم !!! فأهل مكة أدرى بشبابها!! وقد مررت بتجربة العمل مع مدير غير مواطن كان دائماً يثير شكوك الآخرين حول استحقاقية الشباب المواطنين لرواتبهم، حيث كان ينقل صورة خاطئة عن رغبتهم وجديتهم في العمل لدى الرؤساء، وبأنهم عنصر لا يعتمد عليه ولا يمكن تعليمهم وتدريبهم لخنوعهم للراحة والخمول، فهم في نظره قوم يأكلون ويشربون ولا يفقهون، فكان يحيك الدسائس والفتن ويتفنن في العزف على أوتار النميمة ليقف في طريق كل موظف منهم بشكل وأسلوب مختلف يصب في اثبات وجهة نظره للإدارة العليا بأنهم عالة وتكلفة لا طائل منها على عاتق المؤسسة. وقد التمس له العذر في بعض ذلك، فقد يكون السبب وراء ما يفعل هو حرصه على الاحتفاظ بمنصبه فعندما أظهر الكادر الوطني قدرته وكفاءته على المنافسة في سوق العمل، لج به الضغن وأُوغر به الصدر تجاه من بات يشكل تهديداً لوجوده واستمراريته. ويمكننا أن نلاحظ أن بعض الكادر الوطني يتعرض لما يسمى بالرهاب الوظيفي الذي يخلف آثارا فسيولوجية تنعكس سلبا على رغبته في العمل فيعتريه الفتور والتثاقل والتلكؤ عن إنجاز الأعمال والشعور بالخيبة الذي يغلق العقل عن أي نافذة للإبداع والابتكار، إن استمرار هذه الأعراض التي تستثير وشائج القلق والاضطراب الناتج عن الأفكار السلبية المتعلقة بالخوف من عدم الترقية مثلا أو فقد المزايا الوظيفية أو البيروقراطية الإدارية والبطالة المقنعة والنمط القيادي للرؤساء من حيث التسلط واستغلال المنصب وتفضيل من لا يستحق على من يستحق العمل والتقصير في التشجيع والمكافآت قد يؤدي لانتقالها من مرحلة عرضية الى أخرى مرضية أشد وأفتك. هذه الأسباب وغيرها قد ساهمت في إرهاصات تلك الصورة النمطية المشينة للكادر الوطني والتي تركته فريسة للرهاب الاجتماعي ووضعته بين مخالب التوتر وشواظ الخوف؛ من عدم اكتسابه لثقة المجتمع، كما تزعزع مكانته واحترامه في أعين الناس، وترديه ضحية لأوحال الإشاعات والتكهنات وشقوة الشك الدائم لقدراته وثقته بإمكاناته ومهاراته وخبراته التي يتقنها فيصبح مشوش البصيرة، متهشماً تحت مطارق الأفكار المقلقلة، تذروه رياح الإحباط وتهزمه نفسه السادرة. وعلى الجانب الآخر ألحظ تواجد بل تهافت وتنافس للشباب القطري في الإقبال على الأعمال التطوعية بل يصل الأمر بهم أحياناً أن يشعروا بالحزن إن تم استبعادهم من بعض الأعمال التطوعية نظراً لاكتمال الأعداد المطلوبة. فما السر يا ترى؟ وهنا لابد أن نتساءل: لِمَ يتنامى الإبداع في المجالات التطوعية؟ وأعتقد أن الإجابة باتت واضحة حيث ينطلق الشباب بكل دافعيتهم وعنفوانهم لإثبات وجودهم وإظهار إمكاناتهم لإرسال رسالة لأطياف المجتمع مضمونها "نحن هنا ولن نغلب" ولأن الأعمال التطوعية تختلف في تنظيمها فالكل يشعر بأهميته وأهمية الدور المناط به، ويتذوق طعم النجاح الجماعي فلا يقتصر النجاح على فرد دون الآخر بخلاف بيئة العمل، والمسؤوليات قد قسمت بالتساوي، ومبدأ العدالة هو المبدأ السائد، فلا خوف ولا ترهيب، فالحق مكفول للجميع للتعبير والمشاركة والانتقاد، إلى جانب ذلك يتحرر المتطوع من قيود المديرين وتسلط الرؤساء، فالدافع للعمل التطوعي هو الحب المصاحب للرغبة في هذا العمل الذي اختاره بنفسه ولم يفرض عليه. وكأفراد في مجتمع يستشرف المعالي ويتوق للتقدم والازدهار ويمضي في طريق المجد والرفعة ويحلم بمستقبل متميز، فمن واجبنا البدء في تغيير تلك التصورات النمطية التي من شأنها أن تضعف هذا الحلم، فالأفكار الإيجابية والتصورات الموضوعية العادلة هي بذرة الأحلام، فالحلم لن يتحقق الا بإصرارنا وتنمية شعورنا القوي بالمسؤولية تجاه هذا الوطن وبتكاتف ولحمة أبنائه المخلصين، ومحاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي على مختلف المستويات، وأرى في منح الثقة في الطاقات الوطنية وإعطائها الفرصة تلو الأخرى من قبل مسؤوليهم ورؤسائهم سبيلا لتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي، إلى جانب تقديم الدعم والمساندة لهم وعدم إقصائهم أو ركنهم كما تركن الكتب النفيسة على الرفوف البالية، بل محاولة الاستفادة القصوى من خبراتهم وميولهم وهباتهم الربانية لخدمة وطنهم، فهم الثروة الحقيقية التي تقود الوطن نحو الرفعة والشرف، كما يجب وفي كل يوم أن نستشعر الغايات الأعظم من أعمالنا وهي تقوى الله ورفعة البلاد وخدمة العباد. [email protected]