14 أكتوبر 2025

تسجيل

الإسلامُ أعظمُ من أوهامهم

14 مايو 2019

عندما سقطت بغداد بأيدي المغول، سنة 656 هـ / 1258م، وانهارت الخلافة العباسية عملياً، لم يضعف الإسلام، لأنه لا يرتبط بقوة أو ضعف المسلمين سياسياً وعسكرياً، وإنما بروح التجدد والتحضر والإنسانية التي يتميز بها. لذلك، استمر قوياً عزيزاً، رغم سقوط بغداد، وظهرت دول وممالك إسلامية كثيرة قامت بأدوار هائلةٍ في تاريخنا. ومن هذا المنطلق، علينا أن نناقش المخاوف التي يشعر بها معظم المسلمين من سياسات السعودية.  ❶ وهمُ التأثير الديني: من أعظم أوهام القيادة السعودية، أن المملكة لم تزل تمتلك تأثيراً دينياً في المسلمين يُمكِّنُها من تغيير عقيدتهم ومواقفهم ورؤاهم، في حين أن الواقع يخبرنا بأنها فقدت مكانتها الدينية عندما تبين لهم أن علماءها ليسوا أكثر من عازفين لأنغام النفاق لسادتهم، ويصمتون عن حرمان شعوبٍ من الحج والعُمرة، وكأن مكة المكرمة والمدينة المنورة أراضٍ تمتلكها قيادتهم ومن حقها التصرف بهما كما تشاء، ويسهمون في محاولات قيادتهم لهدم صحيح السنة بتحليل الحفلات المبتذلة في مدائن صالح وبالقرب من الديار المقدسة.لذلك، أصبحوا منبوذين، لا ينتظر المسلمون منهم إلا الكذب والفجور في الخصومة. مما يعني فَشَلَ قيادة المملكة في تغيير الدين الذي جاء به محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، ليصبح الدين الذي نادى به محمد بن سلمان، حسب قول عايض القرني. ❷ وهمُ الحدائق الخلفية: تتوهم القيادة السعودية أن الدول العربية والإسلامية ليست إلا حدائقَ خلفيةً لها، لابد من إخضاع شعوبها لتظلَّ قطعاناً ترعى في حظائر المستبدين، فلا تشكل خطراً على سياسات المملكة الهادفة لتنفيذ مخطط صفقة القرن. إذ تعتقد قيادتها أن اعترافها بالكيان الصهيوني سيجعل العالمين العربي والإسلامي يسيران على خطاها. وهذا خطأ فادح لسببين: الأول، أن المملكة فقدت تأثيرها الديني ومكانتها المعنوية، كما أسلفنا. والثاني، أن فلسطين ليست مجرد أرض كسواها، وإنما هي جزءٌ صلبٌ من العقيدة الإسلامية لا تستطيع المملكة، بإعلامها وذبابها الإلكتروني وعلماء السلاطين فيها، أن تؤثر في صلابته. وتتمثل المشكلة التي تواجهها قيادتها في أن شعوب تلك الدول لديها رصيدٌ هائل في المدنية والتحضر والتنظيم السياسي، ومخزونٌ بشريٌّ ضخمٌ من المتعلمين والمثقفين وذوي الوعي السياسي الرفيع، مما يجعل من رضوخها لسياسات السعودية، واستمرار التأثير السعودي عليها، أمراً مستحيلاً. ❸ وهمُ الوجود المستقل: تسعى القيادة السعودية، منذ ثلاث سنوات، إلى تخليق شعور زائف بأن وجود المملكة، ككيان سياسي واجتماعي، لا يرتبط بالإسلام والعروبة. وهو ما يفسر النبرة العنصرية العالية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ضد اليمنيين والفلسطينيين والسوريين وسواهم، والتهجم على الإسلام، عقيدةً وتاريخاً ورموزاً، في كتابات وتغريدات الكتَّاب وعلماء السلاطين، وحملات دعم الكيان الصهيوني والدعاء له بالنصر، والدعاء على الفلسطينيين بالهزيمة والموت، ومحو سجلات جرائم الصهاينة ضد أهلنا في فلسطين من خلال دعوة محمد العيسى، رئيس ما تُسمى برابطة العالم الإسلامي، للصهاينة لزيارة المملكة، وتباكيه المقزز على ما تعرضوا له فيما يُسمى بالمحرقة النازية: الهولوكوست. وسوى ذلك من أمور تشير إلى عداء تلك القيادة لمحيطها العربي، واستهانتها بالمشاعر الدينية لمليار وسبعمائة مليون مسلم. ولكن ذلك لن يغير شيئاً في الواقع، فالمملكة لا تمثل العرب والمسلمين دينياً وسياسياً، ولا تمتلك، أصلاً، مشروعاً حضارياً إسلامياً وعربياً يجعلها قادرةً على التأثير فيهم. ❹ عقدة الوجود التاريخي: عندما نقرأ ما يُكتب في السعودية عن الدولة العثمانية، نلاحظ أن الهدف منه هو محوها من التاريخ، تمهيداً لتخليق عداءٍ لتركيا الحالية في النفوس، وتزييف التاريخ ليقول بوجود حضاري تاريخي مستقل مؤثرٍ للمملكة في القرون الثلاثة الماضية، رغم أنها لم تظهر كقوة ذات تأثير إلا مع إقامة الدولة السعودية الثالثة، سنة 1932م، التي ارتبطت شكلياً بالإسلام، ثم زال هذا الارتباط خلال السنوات الثلاث الماضية، فأصبحت، في نفوس المسلمين، دولةً كسواها، بل، دولة لا تمتلك إلا المال، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، كما وصفها ترامب مراراً، ولم يجرؤ أحدٌ فيها على الرد عليه بكلمة واحدة تحفظ لهم ماء الوجه. [email protected]