15 سبتمبر 2025
تسجيلفي الحلقة الأخيرة من برنامج أمير الشعراء، أدهش الحاضرين شاعر أسمر من بوركينا فاسو بنص مكتمل الملامح، بعيداً عن صخب النصوص الأخرى، كان نصاً هادئاً وصادقا، يتحدث عن اغتراب صاحبه، وعن أشيائه الأليفة الحميمة، ورغم هدوء النص وهدوء صاحبه إلا أن تفاعل الجمهور أثبت أن الشعر الحقيقي يصل. توقعت أن يحظى الشاعر عبدالله بيلا بتقريظ لجنة التحكيم وتشجيعهم لنجاح العربية أن تجتذب شاعراً غير عربيّ كي يبدع فيها، ويتألق ويصل إلى دور متقدم في المسابقة الأثيرة، غير أن لجنة التحكيم عاملته بقسوة فالمرتاض حاسبه على نطق "حنجرة – وعريت"، وفضل ورغم إطرائه إلا أنه لفت إلى قصيدته (غير المنبرية) وزاد عليهما بن تميم الذي استعرض ثقافته في تفكيك النص دون داع، ليثبت له أن قصيدته عادية بعيدة عن وهج الشعر، وكنت ألمح ردّ فعل الشابّ الحزين المحبط، وليفاجأ الجميع أن نصّه نال الدرجة الأدنى، ولا أدري لماذا عومل الشاعر بمثل هذه القسوة بدلاً من استعمال الرفق في مثل هذه الحالات المشجعة في أن ترى لغتك تجري على ألسنة الآخرين. لقد سبق للجنة أن تعاملت بقسوة مع متسابق إيراني من آل الكعبي في تصفيات إحدى السنوات، وقال له أحد المحكمين، من إيران وتريد أن تكون أمير الشعراء؟ ناسياً أنه من عائلة الكعبي العربية، وناسياً أن أمير شعرائنا الأول (أحمد شوقي) غير عربي المنبت، وناسياً أن أهم شعرائنا وأكثرهم اعتزازاً بعروبته (نزار قباني) من أصول تركيّة، فلماذا حين ينتمي شاعر وجد في العربية وعاء لفكره ولسانه يتعرض لهذا الجفاء والجفاف. ففي كل اللغات ذات الامتداد العالمي، تفقد اللغة مركزيتها وتصبح ملكاً لمن يستخدمها ويطوّرها، فالإنكليزية اليوم ليست حكراً على الإنكليز، ولا عجب أن تجد مبدعين بها من الهند أو كندا أو السودان، والفرنسية اليوم منطوقة أجزاء واسعة من إفريقية، ولا أظن سنغور السنغالي والطاهر بن جلّون وآسيا جبار إلا أسماء تجري على ألسنة طلبة فرنسا إن لم يحفظوها ويستظهروا بعض إبداعات أصحابها فلن ينجحوا. لقد نزعت لجنة التحكيم إلى تبنّي قصيدة النيوكلاسيك، التي وجدت في عبدالله البردوني أحد أهم ممثليها، في حين ترتفع عراقياً على يد محمد حسين آل ياسين وعبدالرزاق عبد الواحد، ولعلّ جولة تذكر بسيطة ستحيل المهتمين على بعض مبدعيها كمحمد مصطفى درويش من سورية وحبيب الزيودي من الأردن، وفي البرنامج برع العراقي حازم التميمي والسعودي محمد يعقوب وكثير ممن تلاهما في السنوات الأخرى، ولكنّ المتأمّل سيجد في تلك النصوص تشابهاً وتكراراً، واقتباساً واتكاء وتناصاً، وما إلى ذلك من تعالق مع نصوص أخرى، إضافة إلى تكلف القوافي، مما أدى إلى مراكمة نصوص تبرق وتبهج إلى حين، ولكن من يتذكر رائية حازم التميمي الآن، كما يتذكر قصيدة في القدس لتميم البرغوثي؟ كان حرياً بلجنة التحكيم التي أثنت على نصوص عادية بلغ الثناء فيها حدّ التسجيع، أن تكبر في عبدالله بيلا عشقه للغة العربية، وأحمد الله أنهم لم يتحكموا بمصير ابن برد أو أبي نواس أو ابن الرومي، لأنهم لا ينتسبون إلى قحطان وعدنان. في روايته العبقرية "الحب في زمن الكوليرا" يصور ماركيز أحوال العاشق الذي أمسى شاعراً حتى إن تقارير العمل التي يكتبها صار يكتبها شعراً، ولكنه كان دائماً كان يخسر في مسابقات الشعر الموسمية، وكان الفائز في إحدى السنوات صينياً استطاع أن يتمثل اللغة الإسبانية ويبدع بها، لا أنصح ذلك الصيني أن يشارك بمسابقة أمير الشعراء.