24 سبتمبر 2025
تسجيلحضر يوسف المعشوق في الشعر العربي الحديث ، مثلما حضرت مفردات الغواية وتفاصيلها في نصوص شعرية مختلفة تماهى أصحابها بالنبي يوسف عليه السلام . وكما تماهى شعراء غيرهم بالشقّ الأول من يوسف الذي يكرهه إخوته ويغارون منه ، فإنهم في الشقّ الثاني استعاروا الجمال اليوسفي قناعاً يبرّر الجانب الآخر من الشرّ الذي انتقل من الإخوة إلى المرأة العاشقة . فالمصري بشير رفعت يسخر من أنثاه العجوز التي غلّقت عليه الباب :" لماذا تغلقين الباب / يا سيدة البيت ِ / لماذا تحكمين رتاجه؟ / هل ثمّ غير عقارب الساعات / غير حوائط الإسمنت / غير الصمت يخنق صرخة الصمت ِ / وهل تخشين من صمت / غريب عنك ينفذ من ثقوب الباب / مزخواً يعانق جثة الوقتِ ". لكنّ السوريّ خليل خوري يبادل أنثاه الذكريات ، مذكّراً إياه بالأيام الخوالي ، و يستعير من حكايتنا القميص الذي حنى عليه ولبسه عطفاً وأنوثة ً :" كان الزمان يشدّ قبضته / وكنت معي قميصي أرتديه / وهتفت من هلعي عليك :" النجم محكوم بأبعاد المدار ِ / الطير محكوم بجذب الأرض / لا لاشيء من عدم ٍ / ودون جذورها وغصونها / لا تستقيم شجيرة الرمان / كنتِ معي يقيناً أدعيه ". ويتسرب النموذج اليوسفي في نصّ أنثوي للبحرينية فاطمة محسن ، التي تماهت بأنثى يوسف ( زليخا) معلنة العشق غير المحدود ، و فتحت نافذة اعتراف أنها من مزّق القميص :"أجري خلف قميص مبلول بالفتنة / أتسوّر سور مراهقتي / تأخذني الفتنة للريح الهاربة قليلاً من نوم الأقمار / للساكن في وطن الجنيّات / ذاك المتلفّع بالصبر / وأنا أختصر الكون بعينيه / يمسكني وتمرّ الشهب التنزف بالعمر / الوقت نسيج من صور / ونوافذ نفتحها / نشرب من قهوة شوقٍ قدّسناه بماء الصبح / مسافتنا فرعونٌ يدخل فوضاه ". لكن مواطنها أمين صالح يبدو كنموذج آخر يفتح بوابة الذاكرة :"كالحلم العاصفِ / تفتحين الباب / فتخترقني شهب الشهوة / وتدخلني ظباء الهذيان ". وفي المقابل يذهب العُماني خالد المعمري مذهباً آخر في مجموعته " نسوة في المدينة " المستوحى من آيات سورة يوسف ، إذ يسقط الأنثى على المدينة التي ذبلت مفاتنها ، وغادرها زمن الجمال حين كان يراود ظلّها ، المدينة التي سحرت نساءها ، كما سحر جمال يوسف نساء مصر :" ما بالها / أضواء كلّ مدينتي / قد أُطفئت / ونساؤها ما أعلنت لون الحداد / ما بالها / تهوى حكايات الفراغ برحلتي / وتقول أني حينما كانت تلمّ ضياءها / راودتها عن ظلّها ..... تذبل الأزهار لو عانقتها في لحظة الموت الأخير / هل للمدى أسماء غير دموعنا / ما بالها / تلك الرمال / أوّاه كيف نساؤها " قطّعن أيديهنّ " ذات خطيئة / وزرعن أشواك الجفاء" . و تمّحي تفاصيل الوجوه في نصوص عبد الله أبو شميس في مجموعته :" هذا تفسير رؤياي" المستوحاة من آيات السورة ذاتها، فيخلط بين نموذجي يوسف ؛ الأخ المغدور ، و المعشوق العفيف ، و يرسم أنثاه بين هذا وذاك ، تأمر القمر أن يسجد لمعشوقها ، قبل أن تمزق قميصه :" وتلك التي أنزلت قمراً / كان يسجد في حلمي / لتمزقه في لهب اشتهاءاتها لتمزّقني / على شهوات القميص / وتنثرني ورقاً ورقاً / فوق دوامة العدم . قبل أن نرحل إلى موضوع الرؤيا الأخيرة التي استأثرت بأكثر من نص ، نذكر منه نص السوري ناظم علوش الذي استلهم من رؤى زملاء يوسف في السجن ما يسقطه على واقعه "وصوت الليل يعدو / فوق مضمار المسافة / تعصر الأوهام خمراً / ثم تستجدي الخرافة ".