14 سبتمبر 2025
تسجيلرأى النبي صلى الله عليه وسلم تمرة ملقاةً على الأرض، فالتقطها، ومسح ما لحق بها من غبار، وأراد أن يأكلها ثم تراجع لأنه خشي أن تكون من تمر الصدقة، الذي يُحمل إلى بيت المال، والنبي صلى الله عليه وسلم كما تعلمون جميعاً يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، لهذا دفع التمرة لمن كان معه، إن القضية أبعد من تمرة ملقاة على الأرض، إنها قضية نعمة من نعم الله سبحانه لم توقر كما يجب، النبي صلى الله عليه وسلم ليس لحاجته إليها، وإنما أراد أن يعلمنا شكر النعمة، ورأت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها حبة رمان ملقاة على الأرض، فقالت: "إن الله لا يُحبُّ الفساد" إلى هذا الحد كانوا يُحافظون على النعم، قال تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ولَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ". الشكر على النعمة أكوام الطعام التي تُلقى في حاويات القمامة، في منظر تقشعرُّ له الأبدان، وفي واحد من مشاهد كفران النعمة، ولا شيء أسرع في زوال النعم من كفرانها، وبالمقابل لا شيء أحفظ للنعمة من شكر الله عليها، وفي القرآن «لئن شكرتم لأزيدنكم»، على أن الشكر لا يحتاج إلى وضوء ولا أي مجهود والشكر نوعان، شكر باللسان بأن يكون بلفظ الحمدلله والثناء على كرم الله، وشكر بالجوارح وهو سعي متواصل ودؤوب وبحفاظنا على فوائض موائدنا والتصدق بها وتوزيعها على المحتاجين. رمضان وازدياد ظاهرة رمي الطعام المبالغة في كمية الطعام الذي يُطبخ في البيوت يومياً، أو في الولائم والمناسبات خاصة في شهر رمضان الكريم بحاجة إلى وقفة ومراجعة، نتفهم تماماً حاجة صاحب المنزل إذا دعا ضيوفاً إلى طعام كثير ومتنوع، وهذا ما نفعله جميعاً، ولكن ما لا يمكن تفهمه أن يُلقى الفائض من الطعام في الحاويات المنتشرة في أحيائنا وفرجاننا، ورغم وجود الكثير من الناس المحتاجين. مركز حفظ النعمة وللحد من انتشار ظاهرة رمي مخلفات الطعام والاستفادة من الفائض منها، قامت الجهات الخيرية والطوعية ببلادنا بمبادرات طيبة، منها مركز حفظ النعمة وبنك الطعام، وقد استفاد نحو نصف مليون شخص من أنشطة مركز حفظ النعمة في العام الماضي حسب الإحصائيات التي نشرت مؤخراً، وجاءت استفادة هؤلاء من خلال التبرعات الغذائية والعينية الأخرى من المنازل وأماكن المناسبات العامة، والمركز بدأ كمشروع تابع لمركز عيد الاجتماعي التابع لمؤسسة عيد الخيرية، حيث كان المشروع مختصاً باستقبال فائض الطعام من الولائم والأعراس والفنادق، وإعادة فرز هذا الطعام ثم إعادة توزيعه على المحتاجين من العمالة في دولة قطر والأسر المتعففة، ويقوم المركز بتجهيز الفائض من الأطعمة وإعادة تجهيزه في صورة وجبات وتوزيعها، لتتطور منظومة عمله ويتوسع ويستقبل كل ما يزيد على حاجة الناس كالملابس، والأجهزة الكهربائية، والإلكترونيات، والأثاث، بالإضافة إلى الجانب التوعوي في المجتمع القطري، بالابتعاد عن الإسراف وسد حاجة الفقير، خاصة أن حجم الهدر كبير من الطعام في مجتمعنا كما نرى، وساهم المركز كثيراً في العمل على وضع أهداف بضرورة ترشيد الاستهلاك وتجنب الإسراف في الطعام، والوصول إلى طبقة الكادحين والتواصل معهم بصورة مستمرة، والعمل على ابتكار وسائل متنوعة للحفاظ على نعمة الله في الطعام والشراب، ونشكرهم على هذه المجهودات. كسرة أخيرة اطبخوا ما يكفي، وأكرموا ضيوفكم كيفما شئتم، فهذا من شكر النعمة أيضاً، ولكن ما يزيد على الحاجة تعاهدوا به جاراً فقيراً، ففيه أجران، أجر الصدقة وأجر حفظ النعمة، أما رمي الطعام المتبقي فمؤذن بزوال النعم، أدامها الله عليكم، ولا نتهاون في الاتصال بالجهات التي تقوم بالحفاظ على هذه الأطعمة الفائضة عن حاجتنا وتجنباً للمساهمة في انتشار ظاهرة الإسراف في الطعام تأسياً بتعاليم ديننا الحنيف واتباع سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله أن يتقبل صيامنا. الكاتبة الصحفية والخبيرة التربوية [email protected]