14 سبتمبر 2025
تسجيليخطئ كثيرون إذا اعتقدوا أن آثار فيروس كورونا ستقتصر على إصابة ملايين البشر به، وموت جزء منهم؛ لأن ذلك هو رأس جبل الجليد فقط، أما الجبل نفسه فإنه غير ظاهر للعيان. وعلينا أن نفكر طويلاً ونستعد للحظة اصطدامه بكل ما تعارف البشر عليه من منظومات دولية، وتكتلات سياسية واقتصادية وعسكرية. والذي يهمني، هنا، هو تحليل أجزاء من الحالة العربية، واستشراف مستقبلها في ظلال جائحة كورونا. 1) العلمانية العربية: لنكن صريحين فنقول إنه لا توجد علمانية عربية، وإنما هي حالة بائسةٌ لا وجود لها إلا في ظلال الاستبداد والديكتاتورية. فمثلاً، أبو العلمانية المتشددة في السعودية: تركي الحمد، طرح نفسه، دائماً، كمفكرٍ ينادي بالحريات والقبول بالآخر، لكنه أصبح ركيزة لحكمٍ يزج بمعارضيه في المعتقلات، وإذا لم يتمكن من اعتقالهم فإنه يتخلص منهم بأفظع الطرق وحشيةً، كما حدث مع جمال خاشقجي. وبعد حلول كورونا ضيفاً ثقيلاً في دول الخليج العربية، لم ينشغل بطرح أفكار حول تجاوز الخلافات، لكنه انشغل بأمر لا مقدمات منطقيةً له، هو مهاجمة دولة الكويت بأنها غارقة في الفساد، وتعيش على أمجاد الماضي. وتناسى الحمد أنه يتحدث عن دولة فيها سقف مرتفع للممارسة الديمقراطية التي لو وُجدتْ في بلاده فلن يُسمح فيها باعتقال المفكرين والعلماء والنساء، لكننا لا نلومه، فهو نموذج للعلمانيين العرب الذين تجارتهم المواقف، وبضائعهم الديكتاتورية المُطلقة. وأيضاً، المتثاقف العلماني المصري: إبراهيم عيسى، الذي تحوَّل من أسدٍ يزأر على الطغيان إلى كروانٍ يصدح بألحان تمجيدٍ لنظامٍ سياسيٍّ باع الأرض والماء والغاز دون أن يستفتي شعبه على قيامه بذلك. فهذا المتثاقف يتساءل بضحالة تفكير عن معنى أن يُعذب الله تعالى الصحابةَ في عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بطاعون عمواس بالشام، والذي استُشهد فيه أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وعشرات آلاف المسلمين. وهذا التساؤل الغث يدل على ضحالة فكره، لأن الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، كما أخبرتنا السيدة عائشة، رضي الله عنها، قال إن الطاعون عذابٌ لكنه رحمةٌ من الله بالمؤمنين. إن إبراهيم عيسى يحاول أن يسخر من الحالة الإيمانية التي سادت قلوب المسلمين مؤخراً، لأنها تهدم ادعاءاته (التنويرية) المتهافتة. وبالطبع، فإن هذا النمط من العلمانية العربية بات مُهدَّداً بالزوال بعدما عادت رايات الإيمان تخفق في عالمنا العربي موحِّدةً الشعوب كما لم يوحِّدها أمر قبلها. 2- القوى الإقليمية العظمى: من نافلة القول إن السنوات العشر الماضية بيَّنت أنه لا توجد دولةٌ عربيةٌ بإمكانها أن تكون مركزاً مؤثراً في محيطها. فالدول العربية التي اعتادت الدعاية الإعلامية أن تسميها بالدول الشقيقة الكبرى، كمصر والسعودية، بددتا مصادر قوتهما في سياسات داخلية وخارجية رعناء أفقدتاهما دعم الشعوب، وضيَّعت ثرواتهما، فأصبحتا مجرد دولتين كبيرتين في مساحتيهما وتعداد سكانهما فقط. وفي ظلال جائحة كورونا، بدا ضعفهما في التخطيط الاستراتيجي عندما اكتفتا باستثمار الوباء بأسلوب إعلاميٍّ وسياسيٍّ رخيص، ولم تقوما بخطوة لتوحيد العالم العربي لمواجهته. أما القوة العظمى إقليمياً الصاعدة، فهي تركيا التي لجأت إليها معظم دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، طلباً لمساعدتها في مواجهة الفيروس. ولذلك، ينبغي السعي لبناء تحالفات معها إذا أردنا لعالمنا العربي أن تكون له فرصةٌ للاستجابة بقوةٍ لما سيأتي بعد كورونا. 3- انهيار الزوائد الهامشية: خلال السنوات العشر الماضية، كانت أعظم مأساة عربية هي انهيار الدول المركزية كمصر وسوريا، والجرائم الهائلة التي ارتكبتها إمارة أبو ظبي في ليبيا واليمن وسوريا ومصر، مع اختلاف درجة دموية تلك الجرائم فيها. وأدى ذلك إلى استنزاف ثروات الإمارة. ثم جاء الفيروس ليستنزف البقية الباقية من أرصدتها، ويُرجعها مرغمةً، رويداً رويداً، إلى واقعها الحقيقي المتمثل في كونها زائدةً سياسيةً هامشيةً. كلمة أخيرة: كورونا ليس عذاباً، وإنما هو جزء من تنبيهٍ إلهي، وسنستجيب له بالإيمان والرضا والتقوى، بإذنه تعالى. كاتب وإعلامي قطري الإيميل:[email protected]