15 سبتمبر 2025

تسجيل

( اطلب تطاع ولو فوق المستطاع )

14 مارس 2021

قال تعالى " ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ " ( سورة الحديد – 7 ) قاعدة عظيمة في التربية المالية، تقضي بأن الملك لله سبحانه وتعالى وأن المال هو مال الله وما أنت أيها العبد إلا مستخلف عليه لينظر الله ماذا أنتم صانعون به وكيف تنفقونه وفيما تنفقون؟ والأصل في الإنفاق في هذا السياق هو البذل والانفاق في وجوه الخير وفيما يرضي الله تعالى. والاعتدال والتوسط في الانفاق وعدم الاسراف والتبذير أو البخل والتقتير، فالاعتدال في الإنفاق أحد السلوكيات الغائبة ضمن نطاق بعض الأسر القطرية، فالآباء لا يبذلون الجهد الكافي لغرس أسس وقواعد التربية المالية السليمة في نفوس أبنائهم فينشأ الأبناء على مقولة " اطلب تطاع ولو فوق المستطاع " وهذه نتيجة طبيعية للإفراط الزائد في الدلال وعدم التفكير بمستقبل هذا النشء الذي سوف يكون جزءا من بناء مجتمع كامل يحتاج إلى العقول المدبرة والمتزنة نفسيا. ولقد سادت مظاهر الاسراف مؤخراً بشكل لافت وساهم معظم مشاهير التواصل الاجتماعي في انتشارها بشكل مخيف ومهدد لأخلاقيات المجتمع حيث لم يعد ذلك المشهور يطمح في الشهرة وكفى ! بل تأججت رغباته وتنامت بعد أن تذوق طعم النشوة من أجور الدعايات والإعلانات التي يصدرها للشباب المتعطش لأي طُعمٍ جديد. ويجري السباق بين هؤلاء على مبدأ من ينقل الصورة الأكثر إثارة وتأثيراً أولاً !! فهذا مطعم جديد وذاك مقهى يكاد يبدأ أول يوم له في السوق وهذا آخر يقدم قائمة طعام محدثة وهنا مجموعة مقاهٍ ومطاعم مصاحبة لفعالية ما، فتربح المقاهي والمطاعم وتخسر الأخيرة !! إن سطوة هؤلاء جعل بعض الشباب عبيدا لبطونهم ولشهواتهم وقيد تفكيرهم " بكروشهم " لذا ترى الشباب - وقد وجدوا في المطاعم والمقاهي أحضان الأم الدافئة - ينتقلون بين مقهى وآخر ويتجولون في الشوارع والساحات التي تتسابق في جذبهم بمقاهيها المشهورة والعالمية. وقد نلاحظ ازدياد مشاريع المقاهي بشكل واسع ومطرد غير معهود وذلك نزولا عند الطلب المتزايد لمثل هذه المشاريع التي روج لارتيادها مشاهير التواصل الاجتماعي بشكل أقرب الى الهوس !! فأصبحت طقساً مقدساً ورمزاً للتطور والحياة العصرية وجزءًا لا يتجزأ من حياتهم " الستايل "!! وقد ساهم الفراغ الثقافي والروحاني لدى البعض في نمو حالات الهوس بالأشياء وبما يطلق عليه " الهبات " التي يتنافس إليها بعض أصحاب المشاريع كأفكار للتسويق والترويج عن منتجاتهم. واللافت للنظر انهم قد شطحوا في تفكيرهم فتجرأوا على تنفيذ بعض الأفكار الهزلية والتهكمية استهزاءً وسخرية بالعقول الجوفاء. ولا أعجب من ذلك فمن استخف بذاته قل تقدير الآخرين له !! كما يساهم العامل المادي بالدور الكبير في تغذية مثل هذه الظواهر المتفشية مؤخراً. حيث يبدد بعض الشباب معظم الراتب في الخروج مع الأصحاب لارتياد المقاهي ونحوها. ولا ينتهي الأمر بزيارة مطعم أو مقهى كل يوم ! إذ لا يمكن لهذا أن يشبع شغفهم المتصاعد حيث عليهم تلبية كافة الأذواق والرغبات أنهم محكومون بلائحة أوجدوها لأنفسهم لإرضاء كافة الميول. ويعتبر حشو حساباتهم بالصور والفيديوهات لإرسال رسائل مبطنة لمتابعيهم مطلباً جوهرياً لا يمكن تجاهله إذ يختلف اختيار الأماكن باختلاف الغرض من تلك الرسائل!! ولربما تُصادف نفس الأشخاص الذين التقيتهم في مطعم في مشيرب منذ قليل يتناولون القهوة في مقهى في الحزم!! ثم بجانب كشك في الوسيل!!! ناهيك عن تناول الايس كريم في اللؤلؤة وبعده كوب من " الكرك " في كتارا قبل العودة إلى المنزل !!! مخطط يومي يتيح لهم توثيق تنقلاتهم وتداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي، فالإشباع هنا له ابعاد فسيولوجية وسيكولوجية بالغة يجب أخذها في عين الاعتبار. وعلى نقيض مقولة " نحن نأكل لنعيش لا نعيش لنأكل " فلا غرابة إذا ارتفع معدل نسبة السمنة ليصبح 70% من السكان !! فالسلوكيات الخاطئة في التعامل مع المعطيات السابقة محفز ومنشط على شيوع السمنة وتناميها يوماً عن يوم. إن القضية أكبر وأعمق من ذلك بكثير فهذه سلوكيات عبثية وعادات متوارثة تلتصق بالفرد ناتجة عن قصور في الوعي المجتمعي وفشل في إدراك معنى التطور الحضاري واختلال ثقافي عززته قيم رخوة ومثل معكوسة !! ولعلك تتساءل معي كيف ستسهم هذه الشريحة ذات القيم الجوهرية المشوهة والتي تفتقر إلى حس المسؤولية في بناء وطن يسعى لارتقاء سلالم المجد والرفعة ويحافظ على مكان له في مصاف الدول المتقدمة فكريا وثقافياً وأخلاقياً ؟؟ فالإنسان هو أساس القوة واللبنة الأولى في الرقي وازدهار المجتمعات. لذا يتعين على كل منا أن يقيَم ممارساته ويرفع من وعيه فيقبض على عاداته وسلوكياته السلبية فيصلحها ويبدأ في تحسين ذاته وتنميتها، فسلوكنا هو نتاج أفكارنا ولكي نغير سلوكياتنا يجب أن نغير في أفكارنا فالأفكار ركيزة من ركائز التقدم ورفعة المجتمع فإما أن تساعد في نمو المجتمعات أو تكون عائقاً أمام هذا التطور. وحريٌ بالأسرة أن تلعب دورها بشكل أكثر كفاءة في تشكيل القيم التي يترعرع عليها الفرد لترفد الوطن بعناصر يعتمد عليهم في بناء نهضته وتقدمه فلن نستطيع التغلب على هذه السلوكيات والظواهر السلبية إلا بتكاتف جهود الأفراد والأسرة ودور المنظمات الاجتماعية والثقافية في التوعية المجتمعية. [email protected]