14 سبتمبر 2025
تسجيلنظاراتي سوداء، تصبغ أقصى مدى لنظرتي بلون قاتم يتلاعب بحقيقة الألوان وتركيبة الأحلام المتفاخرة بهوية لا تليق بها. تبدو لي فكرة خلع النظارة مثيرة، أظنها تعجبني، ولكني أخشى ألا أستجيب وأتماهى مع تموجات ما تأتي به، وأصدم بحقائق كان يجب ألا ترى وأعود لإغماض عيني مجدداً كي أقي عقلي عناء تفسيرها وتحليلها وتجرع مراراتها، ربما لأن القوانين (بشرية) تُرتب كما أرادها أصحابها وليس كما أرادتها (العدالة)، كي تكون الألوان في نصابها المستحدث وليس الطبيعي والمفترض، والتي تُدار على طاولة عملاقة من الواسطة والمركز الاجتماعي والرصيد البنكي، فتخرج أنيقة مرتبة سليمة الصورة، بيضاء الواجهة، ولكنها قد تسقط في باحة (البشوت وحب الخشوم) وتخرج بريئة من دم الغلابة ضحايا ما فوق الطاولة وتحتها، وكل ذلك يشعرني بالخيبة والخوف من رؤية الحقائق كما هي. الاستسلام لا يعني الضعف بل الانسجام.. والصمت لا يعني الرضوخ بل التعايش، والتعايش هو الحل الأمثل للتواري عن القناصة، فالموت الطبيعي أقصى حلم لمن هم خارج دائرة الصراع. في كل ساعة عربية يتساقط الضحايا على أبواب المسؤولين صرعى العجز والقهر وتسول الحق، ومع ذلك تستمر الحياة، ويتوالد العاجزون أكثر فأكثر، وتتكرر القصة حتى الفناء. لماذا نظارتي سوداوية؟! لأن الأنين المخنوق في حناجر لا تتكلم يفسد شكل الحياة، ويشوه منظرها في عيني، لأن صوت طرق الأبواب التي لا تُفتح يزعج أذني ويقض مضجعي، لأن الظلم وحاجة المتعب والمسكين والمتألم تقتلني، بت أخاف أن تسقط السماء علينا ذات يوم، ونؤخذ في رحى الأكثرية الفاسدة. ليس دائماً أن تحمل الغيوم الخير، وليس دائماً أن تغني العصافير في الفجر، الحكاية بسيطة منسوجة بين مصراعي باب يُفتح ويُقفل بانفتاح العقول وانغلاقها، بين نقاء الضمير وتشوهه، بين الإيمان بحق الآخر وحقنا، بين المبدأ فوق الطاولة أم تحتها، بين الوفاء بالقسم ونكثه، إذن هي مسألة بسيطة بين متناقضات، عليك أن تختار أحدها إما هذا أو تلك، أما أن تكون صاحب لعبتين ووجهين وبابين فهذه كارثة انسانية لا تليق بعقول يُفترض أن تدير المستقبل. لو أرهفتَ سمعك بين ردهات المباني، وتركت لتعالي نعالك أيها (المسؤول) فرصة أن يستمع لهمهمات تخرج من صغار البشر كالموظفين الصغار والمراجعين وأصحاب الحق والحاجة لربما سقط المطر واخضرت الأرض وتراخت الأبدان اللاهثة خلف حق معلق بكف بشري. أخاف أن تعلق النظارة على وجهي، فأعيش مخدوعة وأموت كذلك، وأخاف أن أخلعها وأعيش مقهورة وأموت أيضاً كذلك، في الحالتين خائفة. المقال ليس محصوراً في شيء محدد ولا أشخاص محددين ولا مجتمع محدد، هو رسالة لأبواب مؤصدة، اعتادت الغلق والانغلاق والفلق والانفلاق على مبادئ ذات لونين، لا يتغيران (أسود وأبيض)، كفيلان بمسح أي لون جميل آخر للحياة ولمن هم خلفها. قبل أن أغلق نافذة هذا الصباح.. هناك في السماء يراقبنا العادل، يتأملنا، يتابع خطواتنا، إخفاقاتنا، أخطاءنا، بكاءنا ونجوانا، يسمع دعاءنا ويشهد كذبنا وزيفنا ومراوغتنا ونهشنا للأمانة، وغلطة قلوبنا، وهو أيضاً الكبير والأعظم الذي لا يفصلنا عنه حاجز بشري ولا اسمنتي، والذي لو وقف على بابه أكثر المخلوقات ضعفاً وسوءاً لن يرده.