11 سبتمبر 2025

تسجيل

ولئن صبرتم لهو خير للصابرين

14 يناير 2024

وحده الإيمان هو الذي يصنع الفارق حين يجف القلب أو يرتجف كيان الإنسان من مصاب ألم به أو طارئ طرأ عليه. يأتي الإيمان بلمسة قريبة عميقة تصادف القلب القلق فيسكن الجسد كله، لمسة تصادف الظلام الجاثم على الصدر فينبعث منه النور وينفلج فيه الصباح، لمسة تحيل القلب في لحظة أو أقل إلى سكون وطمأنينة وبشر، وكأن المحنة صارت منحا تستوجب الشكر! وهذا لا يكون إلا للمؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ) يدرك ذلك جيدا من سمع سحرة فرعون وقد كانوا عبيد هوى لفرعون، لا يجرؤ أحدهم أن يتحدث في حضرته فضلا عن أن يرد عليه، وهم يقولون له في تحد واضح (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) من يسمع بلال بن رباح وقد كان مولى لأمية بن خلف وهو يقول -والحبال في رقبته وصبيان مكة يطوفون به في جبالها بلا طعام أو شراب ورمضاء مكة تفعل فعلها فيها، والصخر على صدره – أحد أحد. وخباب بن الأرت: وقد تعرض لشتى ألوان العذاب من وضع الحديد المحمي على جسده وهو صابر محتسب، يقول خباب: لقد أوقدت لي نار، وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري (أي دهن الظهر). و«الزِّنِّيرة» وقد عذبت حتى ذهب بصرها من شدة العذاب، وقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى! فقالت: (وما تدري اللات والعزى من يعبدهما، ولو شاء الله لرد علي بصري) فرد الله عليها بصرها». وخبيب حين عذب فقال له أبو سفيان: أتحب أن محمدا عندنا نضرب عنقه وأنت بين أهلك؟ قال: لا و الله ما أحب أني في أهلي وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه. هذه نماذج قليلة من صور كثيرة ذخرت بها تاريخ أمتنا تبرز مكانة الإيمان وموقعه في القلوب المشربة به، وهذه النماذج لا تزال حية حتى يوم الناس في قلوب من نحسبهم من أهل الطاعة والاستقامة، وأحدث تلك النماذج المشرقة ما حدث يوم الخميس الفائت مع الشيخ عبد الرشيد صوفي -حفظه الله- حين تلقى وهو في (المدينة المنورة) نبأ وفاة ولده الشاب الخلوق الحافظ لكتاب الله تعالى عبد الحميد -رحمه الله- فما زاد على قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم توجه إلى قبر رسول الله صلى الله وعليه وسلم، وتذكر مصاب الأمة كلها فيه؛ ثم قال: فأذهب الله عني الهم والحزن! إنها صورة عملية تطبيقية معاصرة لمن سكن – كما نحسب والله حسيبه- الإيمان قلبه وأشرب اليقين فؤاده تُظهر بجلاء أن الإيمان وحده هو من يصنع الفارق. اللهم ارحم عبد الحميد عبد الرشيد صوفي رحمة واسعة، واجعل مقامه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وصبّر أهله ومحبيه، اللهم آمين.