14 سبتمبر 2025
تسجيلتجرى انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة كل أربعة أعوام في منتصف رئاسة الرئيس. وذلك لانتخاب جميع أعضاء مجلس النواب 435 عضواً وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، هذا العام (35 سناتوراً ممن أمضوا 6 أعوام في مناصبهم)، و36 حاكماً من حكام الولايات الخمسين ممن أمضوا 4 سنوات في مناصبهم وآلاف النواب والشيوخ والمسؤولين على مستوى مجالس الولايات التشريعية. وكان 45 مليون ناخب أمريكي صوتوا مبكراً أو عن طريق البريد قبل يوم الاقتراع الذي شهد إقبالاً كبيراً. في نظام الانتخاب الأمريكي- تجرى انتخابات التجديد النصفي بعد عامين من انتخاب الرئاسة. وتكون مؤشراً واستفتاءً على أداء أول عامين من الرئاسة. تاريخياً وتقليدياً يخسر حزب الرئيس في البيت الأبيض بالمتوسط 30 معقداً. من 19 انتخابا نصفيا جرت منذ الحرب العالمية الثانية خسر حزب الرئيس في البيت الأبيض 17 انتخابا من 19 وفي المتوسط 30 مقعداً. خسر حزب الرئيس بيل كلينتون الديمقراطي 54 مقعداً وخسر الحزب الديمقراطي مجدداً 63 مقعداً في رئاسة أوباما - وخسر حزب الرئيس دونالد ترامب 41 مقعداً. كان بوش الابن الاستثناء فاز حزبه بـ 8 مقاعد. بينما حتى كتابة هذا المقال لم يتجاوز عدد المقاعد التي خسرها حزب الرئيس جو بايدن 7 مقاعد. مما يُعد أفضل إنجاز لحزب رئيس في السلطة، وذلك برغم الوضع الاقتصادي المتراجع وارتفاع التضخم لأعلى مستوى له منذ 40 عاماً ومعه ارتفاع الأسعار وخاصة الوقود-والكلفة المالية والعسكرية بدعم تصدي ودفاع أوكرانيا ضد حرب روسيا في شهرها التاسع. جرت انتخابات التجديد النصفي في أجواء غير مسبوقة على مختلف الأصعدة. كانت الانتخابات الأولى بعد جائحة كورونا أدت لوفاة أكثر من مليون أمريكي وأصابت 100 مليون. وأول انتخابات تجرى بعد اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكونغرس في يناير2021 لمنع الإعلان الرسمي فوز الرئيس جو بايدن وترويج كذبة لا يزال ترامب وأنصاره يروجونها، ومنهم مرشحون فاز 150 وخسر 60 مرشحاً لعضوية مجلس النواب بدعم من ترامب، يعرفون «Election Deniers» “رافضو الإقرار بنتيجة انتخابات الرئاسة وفوز بايدن وخسارة ترامب»-حسب إحصائيات. وهذه ونسبة كبيرة تصل لثلثي أعضاء النواب الجمهوريين من الذين فازوا بعضوية الكونغرس-222 نائبا جمهوريا. كما كانت أول انتخابات تُجرى بعد حكم المحكمة العليا في الصيف الماضي بإنهاء حق الإجهاض للنساء وترك القرار للولايات التي تطبق بعضها حظر الاجهاض بتشدد، ما عمّق وزاد من حالة الاستقطاب والانقسام المجتمعي والسياسي. ينعكس ذلك تركيبة الكونغرس المنقسم بين الحزبين 50 سناتورا جمهوريا و50 سناتورا ديمقراطيا و220 نائبا ديمقراطيا مقابل 212 جمهوريا لتنقلب التركيبة، حيث لم تحسم بعض النتائج في مجلسي النواب والشيوخ. تحتاج الأغلبية لـ 51 مقعداً في مجلس الشيوخ و218 مقعداً في مجلس النواب. وحتى كتابة هذا المقال لم تُحسم الأغلبية في المجلسين برغم توفر فرص أكثر للجمهوريين لانتزاع الأغلبية الضئيلة من الديمقراطيين في مجلس النواب. منذ رفض الرئيس السابق دونالد ترامب نتائج انتخابات الرئاسة التي خسرها في نوفمبر 2020- ووصف الانتخابات بالمزورة وسُرقت منه، وحرّض أنصاره على اقتحام مبنى الكونغرس ودفع أمريكا لحافة حرب أهلية، ولا تزال الترامبية برغم انتكاساته في نتائج انتخابات التجديد النصفي حاضرة ومؤثرة إلى حد ما، وقد يدفع ذلك ترامب، برغم انتقادات وتحفظ قيادات جمهوريين، للإعلان عن ترشحه لفترة ولاية ثانية ولومه وتحميله الأداء الباهت لمرشحيهم! لأول مرة بتاريخ الولايات المتحدة تتعرض ديمقراطيتها للتهديد من الداخل، والتشكيك بنموذج ديمقراطيتها في الداخل والخارج، لدولة كانت تحاضر وتقدم نفسها كمثال جدير أن يتبع في الديمقراطيات، والمجتمعات التي تطمح لنظام ديمقراطي. الصادم يرى 68% من الأمريكيين أن الديمقراطية مهددة في بلادهم، بينما يرى 30% وضع الديمقراطية آمنا، ويرى 70% أن أمريكا تسير بالاتجاه الخاطئ. أما القضايا التي حظيت بأولوية الناخبين وحفزتهم على المشاركة بالاقتراع كانت حسب استطلاعات الرأي: التضخم والأوضاع الاقتصادية 31 %، حق الإجهاض 27%، العنف وامتلاك السلاح 11%- قضايا وأزمة الهجرة غير الشرعية 10 %. أما رسائل ودلالات نتائج الانتخابات النصفية فكانت كالعادة، غياب مركزية القضايا الخارجية. وهزيمة رُبع المرشحين المدعومين من ترامب، وبعضهم حرّض وشارك في اقتحام الكونغرس. وكانت الانتكاسة فشل توقعات الاكتساح، كما توقع ترامب والجمهوريون- واعترف حتى مشرعون جمهوريون والرئيس بايدن ومعلقون أن الجمهوريين فشلوا في تحقيق ما يعرف باكتساح المد الأحمر- Red Wave . عززت نتيجة الانتخابات قرار الرئيس بايدن للترشح لفترة رئاسة ثانية عام 2024-وهو ما أكده الرئيس بايدن في مؤتمر صحفي عن نيته الترشح بعد نتائج الانتخابات والخسارة المحدودة، والأداء أفضل مما كان متوقعاً وهو ما كرره الرئيس بايدن وقيادات حزبه في مؤتمر صحفي عقد بعد يوم من انتخابات التجديد النصفي. وكان بايدن برغم اعترافه بخسارة مقاعد في مجلس النواب، لكنه كرر في مؤتمره الصحفي-أن حزبه فقد أقل عدد من المقاعد من أي رئيس سابق! ولا يزال من الممكن احتفاظ الحزب الديمقراطي بالأغلبية في مجلس الشيوخ وحتى في مجلس النواب. ما يعزز الثقة بأجندة الرئيس بايدن في مواجهة ترامب والجمهوريين. أسقطت انتكاسات انتخابات التجديد النصفي بخسارة 14 مرشحاً دعمهم عرّاب الحزب الجمهوري الرئيس السابق ترامب وشارك في مهرجاناتهم، وهزت نفوذه ومكانته داخل حزبه وعلى مستوى أمريكا. بالمقابل عزز أداء الديمقراطيين الثقة بأجندة الرئيس بايدن وحضوره في الداخل الأمريكي وعلى المسرح الدولي، لكن ما جرى كان انتصاراً للديمقراطية الأمريكية والديمقراطيات وللمجتمعات التي تحلم بالتغيير وحق الاختيار. وانتكاسة للأنظمة القمعية والشمولية والبلطجة. وتصحيح أمريكا لبوصلة نظامها السياسي التي شوهها ترامب. وأعادت الثقة بمكانة أمريكا وديمقراطيتها!.