27 أكتوبر 2025

تسجيل

السائرون في ظلال الوهم

13 نوفمبر 2018

لم يفكر تجارُ الدينِ والإعلاميون والذبابُ الإلكترونيُّ السعوديونَ بفظاعةِ جريمةِ قتلِ جمال خاشقجي خنقاً قبلَ تقطيعه وإذابةِ جسده بحمضٍ مركزٍ. ونحن، عرباً ومسلمين، لم ننتظرْ منهم أنْ يفكروا بذلك، لأننا نعرفهم جيداً، ونعرفُ أدوارهم المساندةَ لجرائمَ أفظعَ في اليمنِ وليبيا، والداعمةَ للتصهينِ والتخلي عن فلسطيننا وقدسنا وأقصانا. هؤلاءِ النفرُ الذين لا يمرُّ يومٌ، منذُ مقتلِ جمال خاشقجي خنقاً، دون أنْ يخنقونا فيه بعفوناتِ الادعاءاتِ والغرور والتكبر والعنجهيةِ، في حديثهم عن السعوديةِ (العظمى) التي تقودُ العالمَ الإسلاميَّ، والتي تستطيعُ قيادتها أنْ تجمعَ المسلمينَ خلفها بكلمةٍ واحدةٍ، وسوى ذلك من أوهامٍ سنناقشها في النقاطِ التاليةِ: 1) وهمُ قيادةِ العالمِ الإسلاميِّ: فهذا العالمُ يمتدُّ على مساحاتٍ شاسعةٍ، ويضمُّ ملياراً وبضعةَ مئاتِ ملايينِ البشرِ الذين يعيشونَ حالاتٍ تتباينُ في مستوياتِ نهضتها وتحضرها، والسعوديةُ ليستْ إلا جزءاً صغيراً منه، ولا تشكلُ حالةً حضاريةً يمكنُ لها أنْ تؤثرَ فيه، فكيف لها أنْ تقوده؟ وماذا لديها تقدمه للمسلمينَ غير تحويلِ العقيدةِ الإسلاميةِ إلى عقيدةٍ ركنها الرئيسُ هو الطاعةُ العمياءُ لوليِّ الأمرِ، ولو خالفَ الإسلامَ علانيةً، وارتكبَ الفواحشَ جهاراً في بثٍّ تلفزيونيٍّ يوميٍّ مباشرٍ، كما قالَ أحدُ السفهاءِ من شيوخها؟. إنَّ العالمَ الإسلاميَّ بحاجةٍ لمشروعٍ حضاريٍّ يرتكزُ على الديمقراطيةِ، والتعليمِ، والرعايةِ الاجتماعيةِ والصحيةِ، والاقتصادِ النشطِ، والنظرِ إلى المواطنِ على أنه قيمةٌ عظمى في وطنه، وليس إلى استبدادٍ واعتقالاتٍ وتعذيبٍ وقتلٍ لكل الأحرارِ الشرفاءِ، كما يحدثُ في السعوديةِ، وتآمرٍ على الأشقاءِ لتدميرِ نهضتهم الحضاريةِ وتمزيقِ أوطانهم، كما تفعل السعوديةُ في اليمن مثلاً. إنَّ العربَ والمسلمينَ يجتمعونَ قلبياً على القادةِ الذين يحملونَ آمالَ وأحلامَ وقضايا شعوبهم وأمتهم في قلوبهم، وليس على الذين يتعنصرونَ ضد أشقائهم، ويتحالفونَ مع العدو الوجودي للأمةِ. 2) وهمُ التأثيرِ في المسلمينَ: قبلَ ثلاثِ سنواتٍ، كان العربُ والمسلمونَ يختلفونَ مع السعوديةِ في بعضِ سياساتها، لكنهم، في الوقتِ نفسه، يتأثرونَ بدعايتها التي تستخدمُ فيها الدينَ سياسياً، فينظرون إليها على أنها البلادُ التي تحتضنُ الحرمينِ الشريفينِ، وينتظرونَ منها موقفاً يجمعهم على مشروعٍ حضاريٍّ حقيقيٍّ. أما اليومَ، فإنَّ المملكةَ فقدتْ تأثيرها ومكانتها في نفوسهم، ولم يعدْ ممكناً للعريفي أن يؤثرَ فيهم بعدما اتجه للدعايةِ للرز والعطورِ في تويتر متناسياً قضاياهم ومآسيهم. ولم يعدْ التباكي الكاذبُ للسديس وهو يؤمُّ المصلينَ بالحرمِ المكيِّ قادراً على التأثيرِ فيهم بعدما لم يعد يجرؤ على الحديث عن فلسطين والأقصى، وأصبح الفلسطينيون واليمنيون والليبيون والسوريونَ كالأيتامِ على موائدِ اللئامِ في خطبه لأنه يعلمُ أنهم مذبوحونَ بسيفٍ وبدعمٍ سعوديٍّ إماراتيٍّ.. أما عايض القرني، فقد تحولَ إلى شاعرٍ غنائيٍّ، وإلى عالمٍ يرى أنَّ الحاكمَ أهمَّ من العقيدةِ والوطنِ والشعبِ. والملفتُ للنظرِ، أنَّ المملكةَ تملك علماءَ ومفكرينَ وأدباءَ يمكنهم التأثيرَ في الشعوبِ، لكنهم إما معتقلونَ، أو هاربونَ من بلادهم، أو مسجونونَ في زنازينَ نفسيةٍ ذات جدرانٍ من الرعبِ من البطشِ والتنكيل، فلم يبقَ لدى السعوديةِ (العظمى) سوى المتاجرين بالدينِ الذين يحاولون عبثاً تطويعَ الإسلامِ لخدمةِ السياساتِ الرعناءِ للقيادةِ. 3) وهمُ القوة العظمى: وهو وهمٌ مضحكٌ، لأنه يقومُ على الاعتقادِ بأنَّ المالَ هو القوةُ الهائلةُ التي يمكنُ للقيادةِ السعوديةِ أنْ تستخدمها لتفعلَ ما تشاءُ، وأنْ تشتري بها الشعوبَ والدولَ. وهذا، بالطبعِ، تفكيرٌ يدلُّ على طفولةٍ سياسيةٍ بائسةٍ رعناءَ، لأنَّ السعوديةَ لم تعد (عظمى) إلا في التخلي عن ثوابتِ الإسلامِ وقضايا المسلمين، ولأنها لا تستطيعُ أنْ تفعلَ شيئاً إلا بوجودِ حلفاءَ كالكيانِ الصهيونيِّ. وحتى (انتصاراتها) و(انتصارات) الإماراتِ في اليمنِ، فإنها ليست إلا دعايةً إعلاميةً هدفها التغطيةُ على تدميره وتقسيمه واستباحةِ شعبه. إنَّ مصطلحَ (العظمى) ليس أكثرَ من أداةٍ للتأثيرِ الانفعاليِّ بالشعبِ السعوديِّ لينشغلَ عن رعونةِ قيادته التي اختصرتَ الوطنَ والشعبَ والحاضرَ والمستقبلَ في شخصٍ واحدٍ. ◄ كلمةٌ أخيرةٌ: بناءُ الأوطانِ يبدأُ ببناءِ الإنسانِ المواطنِ واحترامه في وطنه، وليس بالأوهامِ والمعتقلاتِ والتعذيبِ والقتلِ والعنترياتِ.