02 أكتوبر 2025
تسجيلخرج الحسن والحسين - رضي الله عنهما- وعبدالله بن جعفر حجاجاً، وفي الطريق تذكرا أنهم نسوا زادهم، فجاعوا وعطشوا، فمروا بعجوز في خباء لها فقال لها أحدهم: هل من شراب؟ قالت: نعم، فأناخوا إليها وليس لها إلا شاة، فقالت: احلبوها واشربوا لبنها ففعلوا، ثم قالوا لها: هل من طعام؟ قالت: لا إلا هذه الشاة فليذبحها أحدكم حتى أهيئ لكم منها ما تأكلون، فقام إليها أحدهم فذبحها وسلخها، ثم هيأت لهم طعاما فأكلوا وأقاموا حتى شبعوا، فلما ارتحلوا قالوا لها: نحن نفر من قريش ثم ارتحلوا، وأقبل زوجها فأخبرته بخبر القوم والشاة فغضب، وقال: ويحك تذبحين شاتي لقوم لا تعرفينهم ثم تقولين نفر من قريش!. ثم بعد مدة سافرت الحاجة وزوجها إلى المدينة، وجعلا ينقلان البعر ويبيعانه، ويعيشان بثمنه، فمرت العجوز في بعض سكك المدينة فإذا الحسن بن علي - رضي الله عنه - على باب داره جالس، فعرف العجوز وهي له منكرة، فبعث إليها غلامه، فدعا بها، فقال لها: يا أمة الله أتعرفينني؟ قالت: لا، قال: أنا ضيفك يوم كذا وفعلتِ معنا كذا، قالت: بأبي أنت وأمي، ثم أمر فاشترى لها من شياه الصدقة ألف شاة، وأمر لها معها بألف دينار، وبعث بها مع غلامه إلى الحسين، رضي الله عنه، فقال لها الحسين: بكم وصلك أخي؟ قالت: بألف شاة وألف دينار، فأمر لها الحسين أيضا بمثل ذلك، ثم بعث بها الحسين مع غلامه إلى عبدالله بن جعفر، فقال لها: بكم وصلك الحسن والحسين؟ قالت: بألفي شاة وألفي دينار، وقال لها: لو بدأت بي لأتعبتهما في العطاء، فأمر لها عبدالله بألفي شاة وألفي دينار، فرجعت العجوز إلى زوجها بأربعة آلاف دينار وأربعة آلاف شاة. جزاء المعروف حبانا الله في بلدنا الحبيب بالخير الوفير وجعل فيه البركة نحمده كثيراً على هذا العطاء، استهللت مقالي هذا الأسبوع بالقصة الرائعة التي وردت في قصص الأثر لهؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهي قصة يجب ان نستلهم منها كثيرا من العبر والحكم في الكرم والعطاء، ولا نبخس من أي معروف نملكه ولو كان قليلاً فغيرنا يحتاجه وقد نراه بسيطاً ويراه غيرنا ثميناً، فمن يصنع أي معروف يجده أمامه طال الزمن أو قصر، أحيانا نجد في بيوتنا ثيابا قديمة لا نستعملها او بعض قطع الأثاث التي استغنينا عنها ولسنا في حاجة بها، تصدق بها ولا تدري الأقدار قد تكون صنعت معروفاً تلقى جزاءه في ضيق فرجه الله لك بسبب ما قمت به من معروف، وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير له من أن يتصدق بمائة عند موته) وقال صلى الله عليه وسلم (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء). ما يتمناه المرء عند موته خص الله الصدقة على وجه الخصوص وجعلها من أفضل الأعمال والعبادات، والواحد منا عند قرب نهايته من هذه الدنيا حينما لا يستطيع أن يقوم بأي عمل صالح يتطلب منه مجهودا فوق قدرته لضعفه في تلك اللحظات، يرجو من الله أن يؤخره ولو لوقت قصير قبل أن يقبض روحه لا لشىء سوى أن يتصدق أو يعمل معروفاً لأي عبد من العباد، وجاء هذا التخصيص لهذه العبادة دون غيرها في قوله تعالى: (وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) الآية 11 (المنافقون)، باستطاعة أي فرد منا أن يكون من الصالحين كما أمرنا الله تعالى بعمل بسيط يقوم به وهو معروف تقدمه لأي شخص وليس شرطا أن يكون هذا المعروف مادياً فقط فهناك جبر الخواطر اذا جاءك المهموم اسمع، وإذا جاء المعتذر اصفح.. واذا ناداك صاحب الحاجة انفع. لن يضيع جميلٌ أينما زُرع قال الله تعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) الآية 92 آل عمران، العبرة التي اخذناها من قصة الصحابة رضوان الله عليهم أن العجوز لن تنفق ما زاد عن حاجتها بل أنفقت في شيء لا تملك غيره أي شيء ثمين تملكه وتحبه، لذلك الانفاق لا يكون إلا في شيء نحبه وبه ننال البر وهو الجنة والنجاة من العذاب، يعني في الأصل من أخلاق ديننا ان ننفق ونتصدق ولكن أعلى درجات الانفاق هو أن ننفق ونتصدق مما نحبه، قال الشاعر: ازرع جميلاً ولو في غير موضعه فلن يضيع جميل أينما صنع إن الجميل إذا طال الزمان به فليس يحصده إلا الذي زرع كسرة أخيرة في إحدى القرى كان هناك مزارع فقير في أحد الأيام سمع هذا المزارع صوت استغاثة قادما من مستنقع مجاور لحقله، فما كان منه إلا أن ترك عمله راكضاً باتجاه الصوت ليجد صبياً يوشك على الغرق ويتخبط خوفاً من الغرق، وبلا تردد أنقذ المزارع ذلك الصبي وعاد فرحاً بما صنع في ذلك اليوم، في صباح اليوم التالي توقفت عربة فاخرة عند كوخ المزارع الفقير، ونزل منها رجل أنيق قائلاً للمزارع: أريد مكافأتك على الخير الذي أسديته لي فقد أنقذت حياة ابني مقدماً له كيساً من المال، لكن المزارع رفض المال المقدم له مقابل ما فعل، فما كان من ذلك الغني إلا أن طلب من المزارع أن يقبل هدية أخرى وكانت الهدية فرصة تعليمية لابنه، وهذا ما فعله ذلك الغني بالفعل إذ أرسل ابن المزارع إلى أفضل المدارس ليتخرج من مشفى سانت ماري الطبية، ويصبح طبيباً مشهوراً وليكتشف "العالم ألكسندر فيليمنغ" البنسلين، والعجيب في الأمر أن الطفل الذي كاد أن يغرق في المستنقع وهو صغير (ابن الغني) أُصيب بمرض ذات الرئة، والذي أنقذ حياته مرة أخرى كان: البنسلين، والعبرة من هذه القصة أن نفعل المعروف لأي شخص كان ولو لم نعرفه وفي أي وقت. [email protected]