10 سبتمبر 2025
تسجيليُحكىٰ أنّه في الجاهلية الأولىٰ، يوم كانت العرب أرفعَ الأُمم أخلاقاً، وأوسعِها بالفصاحة أشداقاً، سار الملك الغسّاني "الحارث ابن جبلة" إلىٰ ملك الحيرة "المنذر ابن ماء السّماء" يطلب ثأراً لأبيه، وذكر الرّواة أنّهم اشتبكوا في القتال، ومكثت الحرب بينهم أيّاماً يَنْتَصِفُ بعضُعُهم مِنْ بعضٍ، فَلَمَّا رأىٰ الحارث ذٰلك قعد في قصره، ودعا ابنته "حليمة" وكانت مِنْ أجمل النِّسَاء، فأعطاها طِيباً، وأمرها بأنْ تُطَيّب مَنْ يمُرُّ بها مِنَ جُنده، فجعلوا يمرّون و تُطَيٍّبُهُم، وشاع الخبر بين العرب حتىٰ قالوا: (ما يومُ حليمة بِسِرٍّ). وفِي الجاهلية الثّانية، يوم صارت الأعراب أكثر الأمم إخفاقاً، وأشدّها كُفراً ونفاقاً، انكشف سرٌّ مُودعٌ في حقيبة شديدة الفخامة، وانفجر بفضيحةٍ شديدة الجسامة، تحملُ في جوفها ثمانية عشرة عُبوة عطر مختومة من دار عبدالصّمد القُرشي للعود والعنبر والعُطور، وقُدِّرت كُلفتها بثلاثة ملايين من الرّيالات، وخلّفت ثلاثةً من الضّحايا الأبرياء. يقول رواة مواقع التّواصل" الاجتماعي بأنّ الحقيبة كانت أعطية سُلطانية، وهبةّ ملكية مِنْ ديوان خادم الحرمين، أهدتها شخصيةّ بأستار الدّيوان الملكي تتعلّقُ، وبأشفار حليمة الصنّاعية تتملّق، وقد ظنّ بأنّ شمس سرَّه قد غابت ليس لها إشراق، ولمْ يعلم بأنّ -بعض- النّساء مثل القربة المثقوبة، لا يستقر في قرارها سرٌّ، يقول ابن الوردي: لا تُودع السرّ النِّسَاء فما النّسا أهلٌ لما يُودَعن مِنْ أسرار وهٰكذا نشرت حليمة غسيل صندوق الفضائح علىٰ حبال السناب شات، وسارت بذكرها الرّكبان والمُشاة، وأعادت حليمة المقولة القديمة: (ما يومُ حليمة بسر). لَمْ تذْكُر الأخبار مَنْ هو الحارث الجديد، لٰكن لا يعدو كونه ثالثُ ثلاثة، سعود القحطاني وتركي آل الشّيخ، وَالثَّالِث اِسمٌ لَهُ في الفضائح جذور، وأيّ الثلاثة كان فهو امرؤٌ ذو ذوقٍ رفيع، ومزاج بديع، يتجلّىٰ في قيمة الهديّة نفسِها، لا فيمنْ حُمِلت إليها باسْمِها، فحليمة بولند ليستْ سوىٰ حرباء تتلوّن مع تلوّن فصول الهدايا ومواسم الأُعطيات، حالها مِنْ حال مُعظم مْنْ يُسمّون أنفُسَهُم "فنّانون"، الَّذِين يتسوَّلون علىٰ أعتاب قصور الملوك والوزراء والأمراء وكبار التّجّار، وكان هٰذا دين الشّعراء، فتبِعَهُم الغاوون. المُرسِل السّرٌي جمع في صندوق العطور بين محبتّين: الطّيب والنِّسَاء، فوحّد بين هيأتين، واحدة للأمر بالمعروف وأخرىٰ للتّرفيه، لٰكنّه دبّجه بكلام يسير الوضع، غريب الطّبع، عديم السّجع، قال فيه: (حليمة بولند، أجمل جميلات الكون تحت رجلك جارية)، ولو قال: "الطِّيبُ للطَّيِّبات" مثلاً، أو "القوارير لأرقّ القوارير" لكانت خَيْراً له زكاةً وأقرب رُحماً، وخيرُ الكلام ما قلّ ودلّ، لٰكن الحماقة أعيت مَنْ يُداويها، وإن كان قد جاء في الأثر أنّ مَنْ أنفق ثلثي ماله علىٰ الطِّيب والعطور فليس مُسرفاً، فإنّ إنفاق ثلاثة ملايين من الرّيالات مِنْ أجل "تَطْيِيب" خاصر حليمة وخاطرها هو أوج السّفاهة، وقمّة العته، ولو أنّ حليمة تأسّت بابنة الحارث ووقفت تُطيّب الجنود لتجاوزوا الحدّ الجنوبي إلىٰ القُطب الجنوبي، ولجاءها الحوثي يُسلّم مفتاح صنعاء طوعاً كما سلّمت بلقيس لسُليمان الحكيم، لٰكن أين الثّرىٰ منَ الثُّريٌا!؟ ومِنْ أجل شطب يوم حليمة مِنْ "أيّام العرب"، تمّ تلفيق قضيّة "نصب واحتيال" ضد ثلاثة أبرياء: سعودي وهندي ولبناني، حاول النّظام أنْ "يَنْصُب" بها علىٰ العالمين، و"يرفع" الحرج عن ديوان خادم الحرمين، و"يكسر" دابر الشّامتين، والنّكتة هي أنّ حليمة بولند صدّقت وآمنت وشكرت وزارة الدّاخليّة علىٰ إنقاذها مِنْ براثن زُمرة النّصابين، وكيف لها أنْ تُسيءَ الظّنّ وهي سفيرة "النّوايا الحسنة" والسّلام!؟ وكيف لها أنْ تُسيءَ الظّنّ وَفِي بعض الظّنّ إثمٌ؟ خدمَتْ أميرة الغساسنة قومها فنِعْم الرّفد المرفود، وخذلت سفيرة النّوايا الحسنة قِيَمَها فبٍئس الوِرْد المورود، ولَمْ يَعُد يومُ حليمة بسرّ، بل يومُ شؤمٍ ونحسٍ مُستمّر، أشأمُ مِنْ عطر مَنْشَمٍ.