18 سبتمبر 2025

تسجيل

جبل النار

13 أكتوبر 2016

في كوكب " جبل النار " الذي يقع على أطراف مجرة "أندروميدا" يعيش ثلاثة أعراق من المخلوقات العاقلة، العرق الأول ذوو بشرة حمراء ، وتبلغ نسبتهم نحو عشر السكان، والعرق الثاني ذوو بشرة خضراء ونسبتهم ربع عدد السكان، أما العرق الثالث فيمثل باقي سكان الكوكب، فلون بشرتهم مزيج من الأحمر والأخضر، ويسمونهم الملونين. يتناوب "الحمر" و "الخضر" على حكم الكوكب منذ عشرات القرون، أما الملونون، نظرا لذكائهم المحدود، فيمثلون دور العامة والغوغاء، في أغلب الأحيان يقفون مع الحاكم، وأحيانا يثيرون الشغب، ويسعى الحكام إما لكسب رضاهم، وأحيانا قمعهم، مستخدمين سياسة "الجزرة والعصا" المعروفة. مع ذلك فالخلاف المر والتاريخي بين جماعة "الحمر" وأبناء عمومتهم "الخضر" يجعل الاستقرار بعيدا عن كوكب "جبل النار" ، الذي يتميز طوال تاريخه بالاضطرابات، والمشاكل، والحروب الأهلية أحيانا، والتدخلات من كواكب مجاورة وبعيدة. قال أحد الحمر في جمع من الحمر والخضر والملونين: لتعلموا أننا مقبلون على مرحلة حرجة في تاريخ كوكبنا، القمع نراه في كل مكان حولنا، لم نعد نملك من أمرنا شيئا، الثورة يا أبناء جبل النار .. الثورة، يجب خلع الديكتاتور!. اشتعلت الثورة في كل مكان، واختلطت أنهار الدماء، وأخيرا انهار الديكتاتور الأحمر، وهرب إلى كوكب بعيد في أطراف المجرة، وتسلم الحكم قادة العسكر، الذين قبلوا رغبة الشعب بإقامة نظام ديمقراطي عادل يسع الجميع. في جمع انتخابي قال السيد حادي المرشح الرئاسي لجماعة الأحمر : سأنشر العدل والسلام، وصدقوني سنعيش في رخاء وسعادة، وأقول لكم أيضا: لا تصوتوا لذلك المدعو قنطار من بني الأخضر ، فإن الخضر أثبتوا طوال التاريخ أنهم لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا يحترمون قرارات الشعب. ضج الجمهور بالتصفيق والهتاف، والسيد حادي الأحمر يقول : الديمقراطية عندهم مثل السلم، ما إن يصعدوا للحكم ، حتى يحتفظوا بالسلم في مخازنهم، هذا إن لم يحطموه ويلقوا به في الشارع!!. العجيب أن الخضر كانوا محبوبين، والتصويت لأول مرة كان حرا وفي صناديق من البلور الشفاف، وفاز السيد قنطار برئاسة كوكب جبل النار، وكان ذلك صدمة لكل كواكب مجرة "أندروميدا" ، وخاصة المجاورة منها. مرت الأسابيع والأشهر، ثم مر عام، وعام، على حكم قنطار الأخضر، وفي ليلة ظلماء، تسلل السيد حادي الأحمر، إلى كوكب السراب الأزرق، بواسطة مركبة فضائية صغيرة مضادة للرادارات. هبط بشكل عمودي في مكان كان يعرفه مسبقا، ثم دخل إلى كوخ صغير في غابة كانت تقع على أطراف قرية نائية، حيث تم عقد الاجتماع الحاسم، مع قائد جيش جبل النار، والإمبراطور المخلوع. بعد أيام على هذا الاجتماع ، أخذ حادي الأحمر ينادي قومه للنضال ضد قنطار الأخضر وقومه، وقال : إنه ظالم، يقدم قومه على الآخرين. هتف الشعب : آمين .. ، فقال حادي الأحمر : يجب أن يتنحى فورا، فقال الشعب : آمين، إلا أن أحد الأذكياء هتف : "أعطوه فرصة، فلم يحكم إلا سنتين، والديكتاتور كان يحكم مدة 500 عام" ، لكن الكل تجاهله. انتشرت الأراجيف والإشاعات في كل مكان، والكل أخذ يطعن ليس في شخص الرئيس قنطار، بل في جميع أبناء العرق الأخضر، وبات الوضع فوضويا، ومأساويا وينذر بكارثة مدوية. بعد أيام حلق ألف طبق طائر فوق العاصمة، وبدؤوا بإلقاء المنشورات باسم الجيش، ومن ثم تم اعتقال قنطار الأخضر، وتعيين الجنرال كاكي حاكما عاما لكوكب جبل النار، ومن جديد قال الشعب : آمين. على اطراف المدينة جلس ثلاثة أصدقاء، أحدهم ينتمي للحمر، والآخر للخضر، والثالث كان ملونا. فقال الأخضر للأحمر : "لقد انقلبتم على قيمكم، وساندتم العسكر ضد الحرية"، فقال الأحمر : "وأنتم حاولتم السيطرة على كامل الكوكب"، فقال الملون : "لكن الديمقراطية التي وعدتمونا بها ذهبت أدراج الرياح، طارت بعيدا مع الأطباق الطائرة". فبصق الأحمر وقال كلمة نابية، ثم أكمل : "سحقا للديمقراطية، إن أوصلت للحكم غيرنا"، وهي حكمة بشعة، انتشرت بين كل بني الأحمر، وأشباههم، ممن يقدمون المصلحة على المبدأ، سواء في كوكب جبل النار، أو الكواكب الأخرى المجاورة.