02 نوفمبر 2025

تسجيل

انخفاض أسعار النفط وتقويض فرص العمل في الخليج

13 سبتمبر 2015

مازال الوقت مبكرا لمعرفة الآثار السلبية الكاملة لظاهرة انخفاض أسعار النفط بالنسبة لفرص توفير الوظائف في المنظومة الخليجية. مما لا شك فيه، سوف تتحمل العمالة الوافدة العبء الأكبر لفقدان الوظائف المحتملة بالنظر لتمثيلها الضخم للقوى العاملة في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.يكفي القول بأن العمالة الوافدة تشكل غالبية القوى العاملة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء انعكاسا لرغبات شركات القطاع الخاص في توظيف غير المواطنين. من جملة الأمور، تفضل المؤسسات الخاصة توظيف الوافدين على حساب السكان المحليين لأسباب لها علاقة بالأجر والإنتاجية والأداء.يعمل نحو 17 مليون وافد وعلى الأقوى أكثر من ذلك في دول مجلس التعاون الخليجي. ويرتفع الرقم إلى 23 مليونا أو ما يزيد على طريق إضافة أفراد الأسر. على أقل تقدير، يشكل الأجانب نصف مجموع السكان في تجمع الدول الست ما يعد أمرا مميزا في هذا العصر. تعوض هذه الحقيقة جانب من عدم استعداد المنظومة الخليجية لمنح حق اللجوء للنازحين خلاف ما عليه الحال مع بعض الدول الأوروبية. في المقابل، يلاحظ بأن بعض دول الاتحاد الأوروبي متشددة بالنسبة لتوفير وظائف ومنح حق اللجوء للأجانب في وقت واحد. الإحصاءات المشار إليها مذهلة وفقا للمعايير العالمية. تشكل العمالة الوافدة من الهند فقط قرابة ثلث السكان في كل من البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة ما يعد أمرا مثيرا ودليلا على انفتاح على مدى انفتاح اقتصادات دول مجلس التعاون.إضافة إلى ذلك، يعمل نصف الفلبينيين العاملين في الخارج والمسجلين بصورة رسمية في أربع دول في مجلس التعاون الخليجي، وتحديدا السعودية والإمارات والكويت وقطر. توفر السعودية وحدها فرص عمل لربع العمالة الفلبينية العاملة في الخارج. حقيقة القول، لم تجد السلطات السعودية مخالفات كبيرة في أوساط العمال الفلبينيين وذلك عند بدء تطبيق مشروع نطاقات. يهدف المشروع إلى تعزيز فرص العمل للمواطنين في القطاع الخاص. هكذا انقياد للقانون عزز من فرص العمل للعمالة الفلبينية وجعلهم أكثر شعبية مقارنة مع فئات أخرى من العمالة الوافدة. يعد هذا الأمر جوهريا لكون السعودية صاحبة أكبر اقتصاد بين الدول العربية فضلا عن كونها دولة مترامية الأطراف وهي قادرة على خلق الكثير من فرص العمل.مما لا شك فيه، تستفيد البلدان المستوردة للنفط مثل الهند وباكستان والفلبين من ظاهرة انخفاض أسعار النفط الأمر الذي ينعكس على قيم فاتورة الواردات، لكن لا يعتبر ذلك نهاية المطاف. حقيقة القول، تتسبب معضلة هبوط النفط لأكثر من النصف منذ 2014 بالحد من نمو فرص العمل للمواطنين والوافدين في دول مجلس التعاون نظرا لعلاقة ذلك بأوضاع المالية العامة. تعتبر المصروفات الحكومية مسألة جوهرية في اقتصادات المنظومة الخليجية بل توفر حافزا للقطاع الخاص للقيام بخطوات مماثلة. تعتمد العديد من الشركات على توجهات ونفقات القطاع العام.وفي هذه الظروف، من المنطقي أن تجد بعض دول مجلس التعاون الخليجي نفسها ملزمة للحد من النمو في الإنفاق من أجل تجنب تسجيل عجز استثنائي في الموازنة العامة. تراجع الإنفاق يترجم إلى تراجع فرص عمل جديدة. في الواقع، لجأت السعودية خلال 2015 إلى إصدار سندات محلية وسحب من الاحتياطي العام لسد الفجوة بين الإيرادات والمصروفات المتوقعة. تكتسب أسعار النفط أهمية بالغة للسعودية بحكم كونها أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.اللافت عدم وجود أفق لوضع حد لظاهرة انخفاض أسعار النفط حيث بدأت بالهبوط قبل صيف 2014. حديثا، حدث المزيد من التدهور للأسعار رغم وجود أسباب سياسية وأمنية في المنطقة تساعد في ارتفاع وليس انخفاض الأسعار. ثم هناك مسألة التحويلات المالية التي يرسلها العمال إلى بلدانهم. تقدر قيمة التحويلات المرسلة من دول مجلس التعاون الخليجي الست نحو 80 مليار دولار في السنة وذلك حسب أحدث الإحصاءات المتوفرة. وربما يقفز الرقم إلى نحو 100 مليار دولار عبر إضافة النقد والأشياء الثمينة مثل المجوهرات.تظهر العمالة الهندية على وجه الخصوص كرما خاصا تجاه أحبتهم في إطار عودتهم إلى بلدانهم للإجارة على سبيل المثال عبر اقتناء مصوغات الذهب وربما المبالغة في الشراء لدى أقسام الأسواق الحرة في المطارات. سمعت عن هذه الظاهرة خلال تبادل وجهات نظر مع مسؤولين هنود في العاصمة نيودلهي. فهناك فرق جوهري بالنسبة لصرف العامل الوافد على نفسه في البلد المضيف إلى الحد الأدنى واستعداده للصرف على من يعزون عليه مع قرب موعد السفر.تعتمد باكستان بشكل استثنائي على التحويلات المالية من دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تشكل هذه التحويلات نحو 60 بالمائة من إجمالي الحوالات المرسلة. في المقابل، يوجد تنوع أكثر بالنسبة للتحويلات المالية المرسلة للهند نظرا لتواجد العمال الهنود في أجزاء كثيرة من العالم. ومع ذلك، تمثل دول مجلس التعاون الخليجي ثلث التحويلات المالية إلى الهند.توجد خشية مفهومة لدى الجهات المسؤولة في الدول الآسيوية من تراجع حجم التحويلات بسبب انخفاض أسعار النفط لما لذلك من علاقة بفرص العمل والرواتب. وربما تبين للدول المستوردة للنفط الخام من جهة والموفرة للعمالة من جهة أخرى بأن ظاهرة انخفاض أسعار النفط سلاح ذو حدين بالنسبة لها كما هو الحال مع دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط.غني عن القول، في عصر العولمة، تتأثر الدول بالأوضاع الاقتصادية للدول الشريكة لها سلبا أو إيجابا. قديما قيل، إذا عطست الولايات المتحدة تصاب أوروبا بالزكام. ويبدو بأن هذه المعادلة لم تعد تقتصر على الدول الغربية كما تبين من التجربة الحديثة لأسواق المال في الصين حيث وصل الضرر للدول الأخرى.