13 سبتمبر 2025
تسجيلسيؤرخ ليوم التاسع من سبتمبر أنه يوم تقلب الأوجه، فقد بدت بشائره من قبله واستمرت ردود الأفعال بعده، وهو يوم يجب إعادة قراءة وقائعه بعد أن تستقر العواصف الكلامية المحيطة بأحداثه. شهدت الفترة السابقة للثورة وما تلاها استخدام تسجيلات الفيديو في الدعوة للحشد أو التعليق على الأحداث، وظهرت تسجيلات من ضباط سابقين بالشرطة والجيش وهم بالخارج كانت تحمل أحاديث توحي أنهم يملكون معلومات من مصادر تملك معلومات، وكانت هذه التسجيلات عبئا على الثورة، وإن توافق بعض ما تقول به مع وقائع تحدث على الأرض هو مجرد استنتاجات مسبقة وفقا لمنطق سير الأحداث، ويبدو أن هذه التسجيلات والتي نادت بالهجوم على مراكز الشرطة هي التي دعت إلى إصدار بيان من المجلس العسكري يحذر من ذلك ويؤكد على حق التظاهر السلمي، وترك تأمين اليوم للمتظاهرين، وأعلنت الداخلية سحب كل مظاهر الأمن من التحرير ومن الشوارع، وكأنهم جميعا يخلون بين المتظاهرين وبين أي احتمال للفوضى. وحدث صدام بين قوات الأمن وألتراس النادي الأهلي بسبب هتافات للألتراس خلال مباراة جرت قبل يوم الجمعة ضد وزير الداخلية السابق والرئيس السابق، وبدت الأمور يومها وكأن هناك تربصا من الشرطة تجاه الجمهور. وتبدو الصورة المكملة للأحداث ما بعد يوم 9 سبتمبر، فبعد منتصف ليلة 9/10 سبتمبر كانت الجزيرة مباشر مصر تنقل وقائع عنف شديدة تجاه المتظاهرين تحدث في شارع مراد وميدان نهضة مصر، وكان المبرر أن المتظاهرين هاجموا المديرية، وبدا أن الأمر ليس دفاعا عن المديرية ولكنه استهداف للمتظاهرين بعنف وكما يقولون "غير مبرر". كان المشهد تكرارا ليوم 28 يناير، قوات الأمن المركزي تطلق قنابل الغاز بكثافة والرصاص الخرطوش وموجات من البلطجية تتقدم من خلف صفوف الأمن تهاجم وتعود ثانية لتفسح مكانا لمدرعات الشرطة لتهاجم المتظاهرين. وتصل حصيلة المصابين إلى 1050 مصابا وثلاث حالات وفاة. ويصرح رئيس مصلحة الطب الشرعي أن الثلاثة قتلوا نتيجة إصابة كل منهم بطلقة واحدة من الرصاص الحي، إصابتان بالرأس وواحدة بالصدر، أي أنه فعل قنص مباشر ومتعمد، وأعمار المتوفين 23 سنة! وأعلنت الداخلية حالة الطوارئ، فالداخلية لا تتحرك في مواجهة الانفلات الأمني والبلطجة التي أصابت كل مصر، وتعلن الطوارئ في مواجهة المتظاهرين. وحتى اللحظة لا يستطيع أحد أن يسرد وقائع ما جرى أمام مديرية أمن الجيزة، فالأمر لم ينقل بالفضائيات لأن العيون كانت موجهة إلى ما يجري أمام السفارة الإسرائيلية. يبقى لاستكمال المشاهد ليوم 9 سبتمبر واقعتان حدثتا أولاهما صباحية وتكررت والأخرى مسائية بعد انتهاء الحشد في التحرير. الواقعة الأولى هي مظاهرات تخرج من التحرير إلى مبنى وزارة الداخلية وهي على مسافة 500 متر من الميدان، وتردد أمام الوزارة هتافات ضد العادلي لتعود ثانية إلى التحرير ويتكرر المشهد عدة مرات، بينما عناصر من المتظاهرين تصنع درعا بشريا لحماية الوزارة وهو ما لم يمنع من إسقاط شعار الوزارة عن بوابتها الرئيسية. والواقعة الثانية هي توجه مظاهرات متتالية إلى مبنى السفارة الإسرائيلية لهدم سور عازل خرساني أقامته محافظة الجيزة أمام السفارة لتأمينها، وتحقق هدفها وتهدم السور، ويتصاعد الموقف ليلا، ويتسابق الشباب للصعود إلى حيث العلم الإسرائيلي وينزلوه، غير أن الأمر يتطور ويجد الشباب طريقهم للدخول إلى إحدى شقق السفارة وبها مستندات يلقون بها إلى الشارع. هكذا كانت البدايات والنهايات ووقائع تخللت اليوم جميعها خارج الحشد الرئيسي لجمعة تصحيح المسار، والواضح أن هناك حقيقتين يجب رصدهما أيضا، أولاهما البيانات السابقة واللاحقة حول مواجهة أي خروج أو تعدي على المواقع الحكومية والمنشآت العامة، واستعادت الشرطة ذات السلوك الذي كان قبل 25 يناير وبذات الصورة الإجرامية وبتعمد وبتجاوز، ويصل الأمر بوزير الداخلية في وزارة "الثورة" أن يعلن أن منشآت الداخلية "خط أحمر"، وهو ذات الوزير الذي قال من قبل إن وزارة الداخلية ليس بها "قناصة"، وهو الوزير الذي أنيط به تطهير الوزارة وإعادة هيكلتها. كثرت الخطوط الحمراء بينما وزارة تسيير الأعمال تتوعد المتظاهرين، وتتخبط في مهام الفترة الانتقالية. والثانية تفعيل قانون الطوارئ الذي كان إلغاء العمل به مطلبا لكل حشود الثورة. هكذا تقلبت الأوجه واستعادت الوزارة الوجه القبيح للنظام السابق وعن تعمد، ويكون الإجراء الأول هو إغلاق مكتب الجزيرة مباشر مصر عقابا لها لنقلها تفاصيل الأحداث ليلة 9/10 سبتمبر كاملة دون غيرها من القنوات الرسمية والخاصة، حتى وصل الأمر بالأستاذ حازم أبو إسماعيل المرشح للرئاسة أن يقول معني إغلاق مكتب الجزيرة مباشر هو الإعداد لمواجهات قادمة والحيلولة دون نقلها. تقلب الأوجه تجاه وقائع تلك الليلة ينم عن فجوة واسعة بين الحركة الشعبية وما يكمن في صدرها من مخزون الغضب وما يمكنها أن تنتج من أفعال، لانعدام الشفافية والتواصل بين قيادة المرحلة الانتقالية والشعب، وعدم اتخاذ إجراءات لصالح الثورة حتى بدت قيادة تسعى لإعادة النظام السابق الذي يترنح تحت موجات الغضب الشعبي للحياة، وهدفها الأول إيقاف الموجات الشعبية وحصارها، وتتزايد الفجوة اتساعا، والسؤال من المسؤول عن هذه الفجوة؟ ولمصلحة من؟ وطال أمر تقلب الأوجه مجموعات وائتلافات، سارعت إلى رفض ما جري وكأنها تضع إصبعها في عينها، فتسير حركة 6 أبريل على نهج ما ادعته وزارة الداخلية أن وقائع ما جرى عند السفارة الإسرائيلية هو فعل من أيدي خارجية!، وهي الحركة ذاتها التي اتهمت بأنها صناعة خارجية وتمول من الخارج ووقف الجميع دفاعا عنها. ويعلن بعض من أعضاء ائتلافات تشكلت بعد الثورة أن من قاموا بالدخول إلى السفارة ليسوا من الثوار، وكأن الله لا يمهلهم ويخرج الدكتور تقادم الخطيب عضو الجمعية الوطنية للتغيير في حديث مع جريدة الجمهورية القاهرية يوم الأحد 11 سبتمبر أنه هو من قاد الدخول إلى السفارة، وأنهم لم يرغبوا في حرق السفارة لأنهم لا يسعون إلى تدمير، ويقول البعض الآخر إن هذا من فعل فلول الحزب الوطني، وكأن البلطجية التي كانوا مصاحبين للأمن المركزي كانوا من الثوار. وقال البعض بحقيقة الأمر، إن المفجر الحقيقي للموقف من السفارة الصهيونية، هو تباطؤ المجلس العسكري عن اتخاذ موقف بشأن طرد سفير العدو في أعقاب اختراق العدو بجنوده وطائرة أباتشي وقتلة لضابط وخمسة جنود مصريين، توفي آخرهم صباح السبت 10 سبتمبر في المستشفى متأثرا بجراحه، فالله أيضاً لا يمهلهم فرصة لنسيان الأمر ويعيد تذكرتهم بواقعة الوفاة الأخيرة بعد ساعات من وقائع السفارة. ومما زاد الاستفزاز هو بناء سور خرساني محيط بالسفارة. ويشرح الأستاذ الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي أن اتفاقية فيينا 1961 تضمن سلامة السفارات وأنه خلال الخمسين عاما السابقة تم اقتحام خمس سفارات فقط، ويعود إلى خبر لم يعلن أن لجنة إسرائيلية كانت قد وصلت إلى مصر للاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة مصرية إسرائيلية للتحقيق في مقتل الجنود المصريين، وكانت الصحف الإسرائيلية قد أشارت أنها لجنة مشتركة للتحقيق في حادث الهجوم في جنوب إيلات ومقتل ثمانية جنود وإصابة 23 وما ترتب عليه، ولم تشر أي جهة مصرية إلى اللجنة أو ما جرى في مباحثاتها داخل مصر، ومن يتجاهل الشعب والرأي العام بعد يناير 2011 يتحمل ردود الفعل أيا كان مداها، فالشعب لم يسقط نظاما مستبدا وأسقط إرادته وكرامته ليستبدله، ولم يجف دم شهداء ثورته بعد، بنظام مماثل. وهكذا صار الشعب المصري ليس مجرد جماهير تطالب باستكمال الثورة، ولكن جرى "الاستعباط" أنه خالف معاهدة فيينا ووجب تطبيق البند السابع عليه وهو التعامل معه بالقوة المسلحة!، ولم يعد أحد إلى حقيقة أن الثورة تحاول تصحيح خيانة السياسة للسلاح والتي جرت في أعقاب حرب 1973، وأن الشعب يطالب باسترداد السيادة الوطنية على كل سيناء. وخرج وزير إعلام حكومة تسيير الأعمال كنذير شؤم مرات متتالية كل مرة يزيد الصورة سوادا، وكتلميذ لا يملك ملكة الإلقاء يزف المصيبة تلو الأخرى وبتعبيرات تتطابق تعبيرات من سبقوه في منصبة طوال 30 عاما. ولا يكتفي بهذا بل يتجاوز كل الأعراف ويصف اقتحام المتظاهرين لمقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة بأنه عمل إجرامي تخريبي، ولا علاقة له بثورة 25 يناير، ولو كان هو وحكومته لهم أية علاقة بثورة يناير لما كانت تلك لغته. والتقط منه الخيط وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ليسب آلاف المصريين الذين تظاهروا، أمام مقر السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، ويصفهم بأنهم "رعاع"، زاعماً أن حراس أمن سفارة تل أبيب في مصر واجهوا الرعاع المصريين بكل شجاعة وقوة. هكذا كان تقلب الأوجه، ولو كانت جمعة تصحيح المسار لم تنجز سوى كشف هذه الأوجه المستعارة، لكان هذا كافيا. ولعل كل المتحدثين عن دور أمريكي لصالح الشعوب يدركون حقيقة تباين الموقف الأمريكي عندما وصف الاختراق الإسرائيلي للأراضي المصرية بحق إسرائيل في مواجهة الإرهاب، ومسارعته إلى مطالبة مصر بحماية السفارة، ليس الكيل بمكيالين، ولكنه حقيقة الوجود الإسرائيلي والدعم الأمريكي له دون اعتبار للسيادة المصرية على أراضيها. هكذا بات واضحا أن حماية الثورة هي مهمة الشعب، ولا يجب الارتكان إلى أحد غيره لحمايتها وتحقيق مطالبها، وما جرى وحجم العنف الذي استخدم، مؤشرا واضحا عن طبيعة المواجهة بين الثورة وإدارة المرحلة الانتقالية، وعلى كل من استأنستهم الأيام والأشهر الماضية، وأكلت مطامعهم ألسنتهم، أن يدخلوا في حساب الثورة أو سيسقطهم الشعب من حسابه. وهكذا تحولت جمعة تصحيح المسار إلى جمعة تقلب الأوجه، وصارت الحاجة إلى استرداد الثورة ثانية، واسترداد المبادأة. حقيقة أليس من الضروري أن تكون هناك نسبة بين أحجام الرجال وأحجام الحوادث؟ فلنفتش عن الرجال ونغير حكومة تزييف الأعمال القائمة.