12 سبتمبر 2025
تسجيلالأسبوع الماضي، رحل الشاعر محمود الباتع، بعد أن نال كثيرا من مفردات الوجع، ذلك الوجع الذي جعله عنوانا لديوانه الأول والأخير: على ضفاف الوجع، وإن كان وجع محمود الشعري كان منصبا على عتاب الأمة العربية، ورصد مآسيها، وتراجع دورها، وتفريطها المزمن في حقها، كما يسطر ذلك دائما شعراء فلسطين، فإن ثمة وجعا آخر كان يكمن في الديوان الجميل الممتع، وجع القافية نفسها حين تخاطب المحبوب، وربما وجع الابتسامة الخجولة، واللحظات الرائعة التي تهبها الحياة أحيانا. لقد خبر الشاعر الوجع إذن، وخبر غير الوجع حين عاش حياة جيدة، برفقة أسرة ملهمة، وأصدقاء داعمون، وكان يوم توقيع ديوان على ضفاف الوجع، في معرض الدوحة للكتاب، عرسا ثقافيا كبيرا، احتشدنا فيه كلنا، وكنا في حضرة الشعر، وفي حضرة الشاعر الرقيق جدا، الخجول جدا، المهذب والمبتسم في كل وقت. حقيقة كان محمود الباتع نموذجا لما يجب أن يكون عليه الإنسان أولا، والشاعر ثانيا، هو بعيد عن كل رغبة في الظهور، وتصدر المجالس، وتشتيت الشعر هنا وهناك. هو بعيد عن كل ما يمكن أن يجرح أحدا، وفي الزيارات التي كنا نتبادلها، والجلسات القليلة التي جمعتنا، كان ثمة حديث واف ومثقف عن الأدب عامة، والشعر خاصة، وأذكر أنني أهديته روايتي مهر الصياح في أول صدورها، فقرأها في وقتها وبادر بكتابة مقال مشجع، وواع عنها. إنها لغة المحبة من محب سنفتقده كثيرا، نفتقد صوته الهادئ العميق وهو يتحدث، نفتقد قصيدته التي لامت تقاعسنا، وانحسار مجدنا، وفي الوقت نفسه، حلقت بعيدا ولامست قلب المحبوب. هو يملك الكثير من الشعر الحقيقي، الشعر الذي يطرب، وما قام بنشره كان قليلا جدا، هو يملك تجربة، وكان يمكن لتلك التجربة أن تكون نبراسا في زمن، لم تعد للشعر هيبته القديمة، ووهجه القديم. سنفتقد محمود كثيرا، سنشتاق له حتما، وسنستظل بشعره في أوقات الشوق. هي الحياة ونهايتها التي تأتي لترحل الأجساد وتبقى الأرواح المحبة محلقة في أمكنة الحب.