12 سبتمبر 2025

تسجيل

كل معصية عيرت بها أخاك قبل الممات صائرة إليك

13 أغسطس 2014

يعيش الناس حياتهم بين مقبل على الله ومعرض عنه، ولكن لا تستطيع بما تملك من أدوات الزعم بأن الأول صالح لا ذنب له، أو الأخير فاسد لا خير، فدرجات إيمان الناس تتفاوت، والدنيا دار ابتلاء، وقد يذل المستقيم ، وقد يحسن الأعوج، والواجب على أهل الصلاح عدم تتبع عورات المسلمين أو معايرتهم بها، أو جعل ما اقترفوه من معايب فاكهة للمجالس يتحدثون عنها ويستروحون بها، ومن هنا أتت هذه الحكمة الرائعة : كل معصية عيرت بها أخاك قبل الممات صائرة إليك، يقول أهل العلم: يحتمل أن يراد به: أنها صائرة إليك ولا بد أن تعملها، وهذا مأخوذ من الحديث الذي رواه الترمذي في جامعه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- «من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله» قال الإمام أحمد في تفسير هذا الحديث: من ذنب قد تاب منه، وأيضا ففي التعيير ضرب خفي من الشماتة بالمعير، وفي الترمذي أيضا مرفوعا «لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك»، ويحتمل أن يريد: أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته، لما فيه من صولة الطاعة، وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه، وما أحدث له من الذلة والخضوع، والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى، والكبر والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب أنفع له، وخير من صولة طاعتك، وتكثرك بها والاعتداد بها، والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله! وما أقرب هذا المدل من مقت الله!، فذنب تذل به لديه، أحب إليه من طاعة تدل بها عليه، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما، خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا، فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك إن تضحك وأنت معترف، خير من أن تبكي وأنت مدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر، فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو، ولا يطالعها إلا أهل البصائر، فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر، ووراء ذلك ما لا يطلع عليه الكرام الكاتبون، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم -«إذا زنت أمة أحدكم، فليقم عليها الحد ولا يثرب» أي لا يعير، من قول يوسف - عليه السلام -لإخوته {لا تثريب عليكم اليوم} [يوسف: 92] فإن الميزان بيد الله، والحكم لله، فالسوط الذي ضرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب، والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب، ولا يأمن كرات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله، وقد قال الله- تعالى- لأعلم الخلق به، وأقربهم إليه وسيلة {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} [الإسراء: 74] وقال يوسف الصديق {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} [يوسف: 33] وكانت عامة يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم- «لا، ومقلب القلوب» وقال: «ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن -عز وجل-، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه» ثم قال: «اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك» .