13 سبتمبر 2025
تسجيلعن اثنتين وتسعين سنةً، رحل شاعر الأطفال العرب سليمان العيسى، وغادر الحياة في دمشق الأسبوع الماضي، في وقت تعاني فيه البلاد تبعات الحرب الدائرة بين النظام والمعارضة، منذ بداية الثورة 15/3/2011. على أنّ غياب سليمان العيسى أثار موجة حزن دافئة في نفوس الجميع، فالشاعر محسوب على النظام وإن لم يشترك في مكاسبه السياسية، بل آثر أن يبتعد عن البلاد منذ عقدين تقريباً. يحفظ معظم السوريين وكثير من العرب قصائد سليمان العيسى المقرّرة في مناهج المرحلة الابتدائية، والتي تساعد في تكوين مفاهيم الطفل حول البيت والأسرة والجماعة، وبخاصة عند السوريين والأردنيين عند توحيد المناهج في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك في دول عربية أخرى. ولهذا فإنّ غياب العيسى أثار عند الجميع على اختلاف مشاربهم موجة حنين جمعي لقصائد بحدّ ذاتها: " ماما ماما / يا أنغاما، فلسطين داري، عمّي منصور نجّار، مرحباً عاد الخريف...".. وفي المقابل كتب بعض النقاد أن غياب العيسى جسداً مؤشر رمزي لسقوط مرحلة، وامّحائها، وثارت مناوشات خفيفة بين كثير من الأدباء والكتاب، فمنهم من يرى أن الشاعر الراحل مبدع في مجاله، ورغم انتمائه الفكري إلى التيار الذي تنتمي إليه السلطة؛ إلاّ أنه لم ينغمس في لعبة السلطة، ولم يمدح رموز السلطة في بلده، ولم يمدح شخصاً قطّ، بل كان مخلصاً لانتمائه العروبي، وله في نصوصه إشارات إلى رموز الفساد الذين حالوا دون تحقيق النصر على العدو، منذ احتلال تركيا لموطنه إقليم إسكندرون مروراً بنكسة يونيو، وقدم بعض المعلقين معلومات لم يتسنّ التأكد من صحّتها أنه كان يعيش في قبو تحت الأرض، ولا يمتلك حتى سيارة، فكيف لشاعر الحزب مثلاً أن يزهد بكل هذه المغريات لو لم يسجّل رفضاً هادئاً حول ممارسات السلطة، فقد رفض الرجل هدايا من أكثر من حاكم، مفضلاً أن يعيش بهدوء لحلمه الذي أخلص له، وهو الكتابة للأطفال منذ نكسة 67. في المقابل كان كثير من المعلقين يرون أن الشاعر الراحل قد فُرض على السوريين مع الحزب والنظام والمسؤولين، في الوقت الذي أهمل فيه شعراء كثيرون كنزار قباني. لاشكّ أن وجهتي النظر تستمدّان أفكارهما من الواقع السوري الصعب، الذي بات مطالباً فيه بالبحث في بطاقة الأحوال الشخصية لكلّ مبدع، حتى إنّ بعض النقاد أجرى محاكمات لأدباء العهود القديمة، ولعلّ هذا المآل يشكل التهديد الأكبر للهوية السوريّة، فالمتتبع للمشهد الأدبي يرى اصطفافات أدبية جديدة تتبع الهويات الضيقة، ومع تنامي هذه الاصطفافات سننسى أن المطلوب إسقاط النظام، ونعمل أيدينا في إسقاط سورية. *** قبل أربعة عشر عاماً تقريباً؛ كان سليمان العيسى ضيف الدوحة، وأقيمت له أمسية شعرية، تحدث من خلالها عن علاقته بالسياب في معهد المعلمين في بغداد أثناء دراستهما، وقرأ بعض قصائده، وأذكر أني سلمت عليه، وداعبته: كنت مقرّراً عليناً، منذ الصفّ الأول الابتدائي حتى الثانوية، فضحك وقال: " انظر إلى عمق عبارة: "بسمة أمي سرّ وجودي.. فيها فلسفة". وكانت هذه العبارة من نشيد أثير يحفظه السوريون من قصيدة الأم المقررة في الصفّ الأوّل، قبل أن تلغى جميع قصائده من المنهج، وكان الشاعر يومها قد غادر سورية إلى اليمن.