28 أكتوبر 2025
تسجيلمن خلال الاستقراء لكتابات العلامة الموسوعي الإمام الذهبي رحمه الله يمكن استخلاص ضوابط في التعامل مع غير المسلمين إذا أردنا فتح قنوات تواصل عمادها الفهم ومطيتها التفاهم وغايتها الإقناع بالحق أو الإعذار للحق .ويمكن من خلال تراجم الإمام الذهبي وضوابط التعامل مع غير المسلم وضع معالم عامة للحوار تقوم على ما يلي:1- البعد عن مواطن الجدال المذموم:الجدل مصدر: جدلت الْحَبل أجدله وأجدله: إِذا فتلته وَالْحَبل مجدول وجديل. وَرُبمَا خص زِمَام الْبَعِير بِهَذَا الِاسْم فَسُمي جديلا. وجادلت الرجل مجادلة وجدالا: إِذا خاصمته. وَرجل جدل: شَدِيد الْجِدَال وكأن كل مجادل يَفْتِلُ أخاه ليخرجه عن رأيه. ويراد به في الاصطلاح: دفع المرء خصمه عن إفساد قوله: بحجة، أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه، وهو الخصومة في الحقيقة.والجدال منه ما هو المحمود، وهو: ما كان مستخدما لدفع شبهة الخصوم بغرض هدايتهم أو إظهار فساد قولهم لتبقى كلمة الله هي العليا. والمذموم على خلافه، وأحد مظاهر الجدل المذموم: أن صاحبه لا يريد رفعة دينه بقدر رفعة مكانته.والابتعاد عن المواطن التي تعود بمردود سلبي يضر العملية الدعوية، ويخالف الطريقة الأحسن التي أمر القرآن باتباعها في محاورة غير المسلمين، أصل من أصول فتح حوار مثمر مع غير المسلم.على عكس البدء بما يثير حفيظة المخالف؛ لأن الحوار ينتقل بذلك إلى العراك، فلو بدأ الداعية حواره بالتعريف مبتعدا عن مواطن الجدل، وإضاءة المصباح لأبصر الجميع الحق وعلموه، وكلما ابتعد الداعية في بداية حواره عن مواطن الشبه التي إن مست عقيدة المخالف أو ثوابته الأصيلة، جعلت منه معاندا أو مكابرا؛ كان موفقا في دعوته، متبعا لقول الله تعالى {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. فالأحسن في: الطريقة والوقت، والعرض، والاستماع، ينبغي أن يكون حاضرا قبل الجدال، ومن الأحسن عند تيقن وقوع الفتن: البعد عن الجدل فيها، إذ لا مصلحة من ورائه، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن سبب الضلال بعد الهدى نهج مثل هذا اللون من الجدل الذي لا يُعرف الهدف المستقيم منه، يقول صلى الله عليه وسلم : "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}". وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخَصِم". والألد: شديد الخصومة والخصم: الحاذق بالخصومة. وهذا كله مصروف إلى الجدل المذموم، الذي يهدم ولا يبني ويدمر ولا يعمم، ويشتت ولا يقرب، يقول العلامة القرضاوي: "إن القوم إذا حرموا التوفيق، تركوا العمل، وغرقوا في الجدل، وبخاصة أن هذا موافق لطبيعة الإنسان: التي لم يهذبها الإيمان{وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}".والابتعاد عن الجدل المذموم ومخاطبة المدعو بما لا يثير حفيظته منهج القرآن، والناظر في كتاب الله، يلحظ أن القرآن يخاطب المخالفين من غير المسلمين بنداءات لها إيحاؤها ودلالتها في تنمية الحوار المثمر، فيخاطب اليهود والنصارى بلفظتي (أهل الكتاب) أو (الذين أوتوا الكتاب) كما قال تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ}. وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}وقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}. وقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ}.ويخاطب الوثنيين بلفظ (الناس) دون لفظ الشرك أو أهل الوثن، ولا يجد الباحث في القرآن مثلا: يا أيها الوثنيون. وهذا مما يثمر الحوار ويدفعه إلى التقدم.يقول العلامة القرضاوي: "ولم يرد في القرآن خطاب للمشركين بعنوان الشرك أو الكفر، إلا في سورة (الكافرون) وذلك لمناسبة خاصة هي قطع الأمل عند المشركين أن يتنازل المسلمون عن أساس عقيدتهم، وهو التوحيد، ولهذا كرر فيها المعنى الواحد بصيغ عدة تأكيدا وتثبيتا ومع هذا ختمها بهذه الآية الكريمة التي تعد غاية في السماحة: {لكم دينكم ولي دين}". وهذا يؤكد على ضرورة الابتعاد عن الجدال المذموم والابتعاد عما يثير حفيظة المخالف.