13 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أن تحدثنا في منزلة الإنابة على الإصلاحات الثابتة لها، بقي أن نتحدث عن طريق الاستقامة الحق التي لابد منها للارتقاء، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله ذلك في المدارج فقال: "وإنما يستقيم الرجوع إليه عهدا بأمرين: 1- الخلاص من لذة الذنب.2- ترك الاستهانة بأهل الغفلة تخوفا عليهم، مع الرجاء لنفسك، بالاستقصاء في رؤية علة الخدمة.إذا صفت للعبد الإنابة إلى ربه تخلص من الفكرة في لذة الذنب، وعاد مكانها ألما وتوجعا لذكره، والفكرة فيه، فما دامت لذة الفكرة فيه موجودة في قلبه، فإنابته غير صافية.ولسائل أن يسأل: أي الحالين أعلى؟ حال من يجد لذة الذنب في قلبه، فهو يجاهدها لله، ويتركها من خوفه ومحبته وإجلاله أو حال من ماتت لذة الذنب في قلبه وصار مكانها ألم وتوجع وطمأنينة إلى ربه، وسكون إليه، والتذاذ بحبه، وتنعم بذكره؟قيل: الأخير أكمل وأرفع، وغاية صاحب المجاهدة أن يجاهد نفسه حتى يصل إلى مقام هذا ومنزلته، ولكنه يتلوه في المنزلة والقرب ومنوط به.فإن قيل: فأين أجر مجاهدة صاحب اللذة، وتركه محابه لله، وإيثاره رضا الله على هواه؟ وبهذا كان النوع الإنساني أفضل من النوع الملكي عند أهل السنة وكانوا خير البرية. والمطمئن قد استراح من ألم هذه المجاهدة وعوفي منها، فبينهما من التفاوت ما بين درجة المعافى والمبتلى.قيل: النفس لها ثلاثة أحوال: الأمر بالذنب، ثم اللوم عليه والندم منه، ثم الطمأنينة إلى ربها والإقبال بكليتها عليه، وهذه الحال أعلى أحوالها، وأرفعها وهي التي يشمر إليها المجاهد، وما يحصل له من ثواب مجاهدته وصبره فهو لتشميره إلى درجة الطمأنينة إلى الله، فهو بمنزلة راكب القفار، والمهامِهِ والأهوال ليصل إلى البيت فيطمئن قلبه برؤيته والطواف به، والآخر بمنزلة من هو مشغول به طائفا وقائما، وراكعا وساجدا، ليس له التفات إلى غيره، فهذا مشغول بالغاية، وذاك بالوسيلة، وكل له أجر، ولكن بين أجر الغايات وأجر الوسائل بون.