04 نوفمبر 2025
تسجيلمع نهاية بطولة كأس العالم 2014 لكرة القدم لا بأس من التأمل عند بعض الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أسهمت في اختيار البرازيل كأس العالم 2014 من جهة، فضلا عن اختيار مدينة ريو دي جانيرو مستضيفة المباراة النهائية للبطلة لاستضافة أولمبياد 2016.على المستوى السياسي، وقع الاختيار على البرازيل لأسباب تشمل حالة الاستقرار السياسي وهو الأمر الذي تعزز إبان حكم الرئيس السابق لولا دي سلفا والذي تم اختياره لدورتين من أربع سنوات، ما بين 2002 و2010. كما لعب الرئيس السابق دورا في تشجيع الناخبين للتصويت لصالح ديلما روسيف خلفا له والتي تولت مقاليد الحكم بداية يناير 2011.من جملة الأمور، تتميز البرازيل بعدم فرض إرادتها على جيرانها رغم تمتعها بخصوصيات جمة، فهي أكبر دولة في قارة أمريكا الجنوبية بالنسبة للمساحة وعدد السكان وحجم الاقتصاد، بل تشتهر البرازيل من الناحية السياسية بالسعي لحل المشكلات التي تطرأ بين بعض دول أمريكا الجنوبية لأسباب مختلفة، منها اختلاف التوجهات الأيديولوجية والظروف الاقتصادية، بل تسعى البرازيل للعب دور المصلح الدولي لدرجة محاولة حل الملف النووي الإيراني. وليس من قبيل الصدفة استضافة البرازيل لقمة مجموعة (البريكس) والتي تضم 5 دول، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، مع ختام بطولة كأس العالم. بل دعت الرئيسة روسيف زعماء عدد من الدول الأخرى في قارة أمريكا الجنوبية، منها الأرجنتين وفنزويلا وبوليفيا، للاجتماع إلى قادة مجموعة البريكس بعد انتهاء قمتهم. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد كشف قبل فترة عن نيته لحضور المباراة النهائية في ملعب ماراكانا الشهير في ريو دي جانيرو، وبالتالي تسلم مهمة تنظيم مسابقة كأس العالم في 2018. ويبدو أن الانفتاح على الآخرين ركيزة أساسية لدى السياسة الخارجية للبرازيل، حيث تأتي البرازيل في صدارة الدول التي لديها بعثات دبلوماسية على الصعيد العالمي. من حيث المساحة، يأتي ترتيب البرازيل في المرتبة الخامسة في العالم بعد روسيا وكندا والولايات المتحدة والصين. كما تعتبر البرازيل أكبر بلد في أمريكا الجنوبية ولديها حدود مع كل الدول الواقعة في القارة، باستثناء تشيلي والأكوادور. وخيرا فعلت البرازيل باختيار 12 مدينة لاستضافة مباريات كأس العالم، الأمر الذي أسهم في تطوير البنية التحتية، بما في ذلك المطارات والطرق السريعة في العديد من المدن. يقطن البرازيل أكثر من 200 مليون نسمة وبالتالي تأتي في المرتبة الخامسة عالميا من حيث عدد السكان بعد الصين والهند والولايات المتحدة وإندونيسيا ولكن قبل باكستان ونيجيريا. كما تتميز البرازيل بالتنوع العرقي بين سكانها بسبب عامل الهجرة. شملت الفئات الوافدة رعايا من إفريقيا في القرن التاسع عشر، إضافة إلى الأوروبيين، خصوصا من البرتغال (اللغة الرسمية للبلاد هي البرتغالية)، فضلا عن آسيا لأغراض اقتصادية تشمل تطوير بعض القطاعات الحيوية، مثل الزراعة وتحديدا البن وحديثا هجرة رعايا بعض دول الجوار للاستفادة من الطفرة الاقتصادية. يعتبر نصف السكان من الطبقة الوسطى، لكن تعاني البلاد من الفقر وفقدان العدالة في توزيع الثروة، الأمر الذي يفسر انتشار الجريمة في البلاد. ترتبط ظاهرة انتشار الجريمة بتجارة المخدرات والسلاح، بل تقع البرازيل ضمن مسارات تجارة المخدرات بسبب موقعها الجغرافي. تعتبر النفقات المتعلقة بكأس العالم 2014 الأعلى في تاريخ البطولة. وحدها، البرازيل خصصت 14 مليار دولار للصرف على الإستاذات الرياضية والبنية التحتية، فضلا عن الأمن. يقال: إن كلفة الإجراءات الأمنية وحدها بلغت 900 مليون دولار في ضوء إصرار السلطات على بتوفير أجواء آمنة للبطولة وهو ليس بالأمر الهين في دولة تنتشر فيها الجريمة. بدوره، خصص الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" مبالغ طائلة للصرف على البطولة، بما في ذلك 576 مليون دولار للدول المشاركة. يشمل المبلغ جائزة قدرها 35 مليون دولار للفريق الفائز بالكأس و25 مليون للوصيف، فضلا عن 22 مليون دولار و20 مليون دولار لصاحبي المركزين الثالث والرابع على التوالي.مؤكدا، بمقدور الاقتصاد البرازيلي الضخم تحمل كلفة إقامة الفعالية. فحسب أحدث دراسة للبنك الدولي، يشكل الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل 3.5 بالمائة من الناتج المحلي العالمي استنادا لمبدأ القيمة الشرائية، بل تعتبر البرازيل سابع أكبر قوة اقتصادية بعد الولايات المتحدة والصين والهند واليابان وألمانيا وروسيا.لكن تحل البرازيل في المرتبة رقم 88 على مستوى العالم فيما يخص حصة الفرد من الناتج المحلي. وتفسر هذه الحقيقة بعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البرازيل، مثل انتشار الجريمة. لأغراض المقارنة، يعتبر نصيب الفرد في قطر، مستضيفة كأس العالم في 2022، الأعلى دوليا. لا شك، يتجلى التفوق الاقتصادي للبرازيل من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة والتي تعكس ثقة المستثمرين، فحسب تقرير الاستثمار العالمي للعام 2014 والذي صدر حديثا ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للبرازيل أكثر من 64 مليار دولار في العام 2013. يعد هذا الرقم نوعيا كونه يشكل 4.4 بالمائة من قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة في 2013 وقدرها 1.45 تريليون دولار، ما يعني حلول البرازيل في المرتبة الخامسة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا وهونج كونج. فضلا عن كأس العالم، فإن مدينة ريو مستضيفة نهائي كأس العالم 2014 على موعد مع استضافة حدث الأولمبياد في الفترة ما بين 5 حتى 21 أغسطس 2016، أي بعد سنتين لا أكثر. وهذه هي من المرات النادرة التي تجمع فيها مدينة واحدة حدثين كبيرين في فترة قصيرة، أي استضافة نهائي كأس العالم والأولمبياد. لا غرابة، يبدو أن كل الطرق تؤدي بالضرورة إلى البرازيل عندما يتعلق الأمر بالمناسبات الرياضية.