16 سبتمبر 2025
تسجيلفي ضوء التنامي الواسع للعلاقات الخليجية-الصينية والذى يسير بالتوازي مع التراجع الواضح للتركيز الاستراتيجي الأمريكي للولايات المتحدة في المنطقة، وفى منطقة الخليج تحديداً. وهذا في ظل أيضا اشتداد حدة الصراع بين الصين وواشنطن والغرب عموماً. غدا السؤال الهام الآن الذى بدأ يتواتر بقوة، هل منطقة الخليج ودولها على أعتاب مرحلة جديدة من التحالف الاستراتيجي الشامل مع الصين، مقابل انفكاك تدريجي للتحالف التاريخي الاستراتيجي بين واشنطن ودول الخليج؟. وفى الأعوام القليلة المنصرمة، تحركت دول الخليج بشكل مستقل، أو لنقل بشكل مناهض إلى حد ما، في ملفات وقضايا عدة، لرؤى وأهواء واشنطن. بصورة أوحت بإيذان تلك المرحلة الجديدة لمنطقة الخليج. ولعل من أبرزها، موقف دول الخليج الحيادي من الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك استقلالية القرار الخليجي بقيادة السعودية في أوبك بلس، تحول دول الخليج إلى التصنيع العسكري والسعي نحو امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية... وغيرها من المواقف. وفى حقيقة الأمر، وإن كانت تلك المواقف تشى بجلاء إلى استقلالية القرار الخليجي أو لكن صرحاء تمرد جريء على الوصاية الأمريكية التقليدية للخليج. لكنها لا تعكس كلياً أفول الشراكة الاستراتيجية بين الخليج والغرب. إذ لاتزال واشنطن القوة العسكرية الرئيسية في الخليج، وترتبط بعلاقات أمنية واقتصادية استراتيجية مع دول الخليج. لكن ما هو أهم من ذلك، أن تلك المواقف لا تعكس أيضا انحيازا تاما لبكين أو لغيرها من القوى كروسيا، بل تعكس زيادة في استقلالية القرار الخليجي مستند على زيادة القوة النسبية لدول الخليج، وتنامى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج، والقراءة الموضوعية الواقعية لتوازنات القوى عالميا. وبالتالي نخلص، أن الحديث عن اصطفاف أو انحياز خليجي تام للصين، مقابل تنافر في الشراكة الخليجية الغربية، حديث غير موضوعي. إذ يبدو واضحا أن دول الخليج في سعى لإقامة توازن في علاقاتها مع الطرفين. يستند التوازن على عدة معطيات أهمها، طبيعة ونمط النظام الدولي القائم، والعلاقات الدولية والإقليمية. وقدرة وإمكانات ومهارة الدولة على إقامة التوازن. النظام الدولي الراهن هو بحق نظام متعدد الأقطاب والقوى والمصالح والتحديات، وهو الأمر الذى قد جعل دول الخليج بمقدورها المناورة في علاقاتها الخارجية وتنويع شراكاتها، والتأثير على مجريات قضايا وأحداث عالمية كالحرب الأوكرانية عبر ورقة الطاقة. وعلى الجانب المقابل، أصبحت منطقة الخليج ودولها مركز قوى عالميا لا يستهان به بفضل قوته الاقتصادية وثروته النفطية واستثماراته الخارجية المتنوعة وقوته الناعمة. مما سهل أيضا على دول الخليج تحقيق توازن معقول في علاقاتها الخارجية مستندة في ذلك على قدرة ورؤية حكامه الثاقبة في الارتقاء بقوة البلاد وتحسين سمعتها الدولية وتوسيع شبكة تحالفاتها الدولية والإقليمية. ولعل أبلغ مثال على ذلك، نجاح قطر بعد منافسة شرسة في استضافة كأس العالم لعام 2022، مما أسهم في الارتقاء بسمعة قطر عالميا وتعضيد قوتها الناعمة وشبكة أصدقائها وتحالفاتها. وفى ضوء ما سبق، نعيد التأكيد أن دول الخليج بصدد إقامة توازن عملي واقعى في علاقاتها مع الجميع. أما فيما يتعلق بالعلاقات مع بكين وواشنطن. فكل ما سبق، علاوة على واقع المنطقة وظروف دول الخليج، يحتم على دول الخليج الاستمرار في التوازن متسلحة بأن كلا الطرفين في حاجة ماسة إليها أيضا. وخلاصة القول، استطاعت دول الخليج، ولا تزال تستطيع، إقامة علاقات متوازنة بين بكين وواشنطن مطلوبة وحيوية، استنادا إلى التغيير الكبير الواضح في شكل العلاقات الدولية، وزيادة قوة وأهمية منطقة الخليج. ولعل هذا التوزان سيكون أكبر ضامن لدول الخليج للحيلولة دون الاصطفاف التام مجبرة لطرف على حساب الآخر في سياق الحرب الباردة المستعرة بين الطرفين على قيادة النظام الدولي.