13 سبتمبر 2025

تسجيل

وقال رَجلُ مِنْ أهْل البَصْرة! ..فلسطين والدّجاجة‎

13 يونيو 2018

بالرغم من غنى تاريخنا بالدروس والعبر، فلا زلنا نُعَض من نفس الجحر مرّات كُثُر، حدّثتني نفسي بهٰذا الحديث وأنا أتذكّر قصّة الأعرابي والبصراوي، فقد قال رَجلُ مِنْ أهْل البَصْرة: ‎قَدِمَ عَلَينا أَعْرابِيٌّ مِنَ البادِيَةِ فَأَنْزَلَتُهُ، وَكانَ عِندي دَجاجُ كَثيرٌ، وَليَ امْرَأَة، وابنانِ وابنتانِ مِنها، فَقُلتُ لامْرَأَتي: "بادِري واشوي لَنا دَجاجَةً، وَقَدِّميها إلينا لَنَتَغَدىٰ بها "، فَلَمّا حَضَرَ الغَداءُ جَلَسْنا جَميعاً ـ أنا وامرَأتي وابنايَ وابنَتايَ والأَعْرابيُّ- فَدَفعنا إليه الدَّجاجَةَ وَقُلنا لَهُ: "اقسِمها بَيْننا"، وَنَحنُ نُريدُ أن نَضْحَكَ مِنْهُ، فَقالَ : " لا أُحسِنُ القِسْمَةَ، فَإن رضيتُم بِقسمَتي قَسَمْتُها بَيْنَكم!" قُلنا: "فإنّا نَرْضىٰ"، فََأَخَذَ رَأسَ الدَجاَجَةِ فَقَطَعَهُ وناوَلَينه وَقالَ: "الرَّأسُ لِلرأسِ"، وَقَطَعَ الجناحَينِ وقالَ: "الجَناحانِ لِلابْنَين"، ثُمَّ قَطَعَ السّاقَينِ وَقالَ : " السّاقانِ لِلابْنَتَين"، ثُمَّ قَطَعَ الزِّمِكّى وَقالَ : "العَجْزُ لِلعجوزِ"، واحتَفَظ بالزَّوْرِ وقالَ: "الزَّوْرٌ للزائِرِ"، فَأَخَذَ الدَّجاجَةَ بِأسْرِها وَسَخِرَ مِنّا.  ‎مَثَلُ فلسطين بعد نكبة 48 مثل تلك الدّجاجة، قسّمتها الأمم المتحدة بين العرب واليهود، فكانت قسمة ضيزىٰ! وبداية لمسلسل النكبة المتواصل إلىٰ يوم النٌاس هٰذا، وفِي الجزء الثّاني من المسلسل المنكوب يقول البصراوي المنكوب: ‎ فَلَمّا كانَ الغَدُ قُلتُ لامْرَأتي : "اشوي لنا خَمْسَ دَجاجاتٍ"، فَلَمّا حَضرَ الغَداءُ قُلتُ : " اقسِم بَيْنَنا يا أَعرابيُّ"، قالَ "إنّي أّظُنُّ أَنَّكُم وَجَدْتُم في أَنفُسِكُمْ"  قُلنا: "لا، لَم نَجِدْ في أنْفُسِنا فاقْسِم" قال : "أَقْسِمُ شَفْعاً أَم وِتْراً؟" قُلنا: "اقسِم وِتْراً" فقالَ : "أَنْتَ وامرَأتُكَ ودَجاجةٌ ثلاثةٌ"، وَرَمى إلينا بِدَجاجَةٍ، "وابناكَ وَدجاجَةٌ ثَلاثَةٌ"، وَرَمى إليْهِما بِدجاجَةٍ، "وابنتاكَ وَدجاجةٌ ثَلاثَةٌ"وَرَمىٰ إليهِما بِدجاجةٍ، ثُمَّ قال: " وَأَنا وَدَجاجَتانِ ثلاثَةٌ"، وأَخَذَ دَجاجَتَين وَسَخِرَ منّا.'  وهٰذا ما حصل للعرب عام 67، احتلّت فيها إسرائيل أراضي ثلاث دول عربية، الجولان من سوريا، وسيناء من مصر، والضفة وغزة مما تبقىُ من أراضي 48،لٰكنّ العرب يُقدّرون الأمر حقّ قدره، وتحوّلت الأمّة كلٌها إلىٰ دجاجة.. في الجزء الثٌالث من مسلسل النّكبة يحكي البصراوي: فَرَأنا وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلى دَجاجَتَيْهِ فَقالَ: "ما تَنْظرونَ؟ لَعلّكم كَرِهتُم قِسْمَةَ الوِتْرِ! الوِتْرِ لا يَجيءُ إلا هَكَذا؛ فَهَلْ لَكُم في قِسمَةِ الشَّفْعِ؟" قُلنا: " نَعَمْ"، فَضَمّ الدَّجاجَ إليهِ، ثُمَّ قالَ: "أَنتَ وابناكَ وَدجاجةُ أربَعَةٌ"، ورَمَىٰ إلينا بِدَجاجَةٍ، ثُمَّ قال : "والعَجوزُ وابنتاها وَدَجاجةُ أرْبَعَةٌ"، وَرَمىٰ إليْهٍِنَّ بِدَجاجةٍ، ثُمَّ قالَ: "وَأنا وثَلاثُ دَجاجات أربَعَةٌ"، وضمَّ إليه الثَّلاثَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أنْتَ عَلَّمْتَنا وَفَهَّمْتَنا " . كانت هٰذه بنود اتفاقية أوسلو، وفِي جميع المحطّات كان الأعرابي يسخر من جميع أفراد العائلة، كما يسخر الصهاينة من جميع الأمّة بعد كلّ اتفاق سلام، حتى صارت السخرية من العرب في دين بني قريضة عقب كل حصة مفاوضات، بمثابة الأذكار التي يردّدها المسلمون دُبُر كلّ صلاة، وإن كانت قصّة الأعرابي قد انتهت بعد ثلاثة فصول، فلربٌما لأنّ الرّاوي لَمْ يتوقّع أنْ لا نستفيد مِنْ كل تلك الدّروس، بِما شهده عن العرب من الفطنة والفراسة وسرعة البديهة، ولَم يخطر بباله أنّ العرب قد تُصبح أُمَّة  لا تقرأ ولا تفهم ولا تعتبر، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ، ولا يعلم أنّ القراءة والفهم والاعتبار صار في زماننا مِنْ صفات خاصٌة الخاصّة، وأولو الحل والعقد فينا هم الرّويبضة، والرويبضة في الحديث الشٌريف هو الرّجل التّافه يتكلّم في أمر العامّة، وقد أصبح الآن يقود أُمّة!!