28 أكتوبر 2025

تسجيل

بدايات الكتابة

13 يونيو 2016

أذكر حين قررت أن أبدأ كتابة الرواية، منذ أكثر من عشرين عاما، بعد أن كان الشعر مسيطرا على نتاجي الإبداعي، أنني جلست في غرفتي، وقد فرشت أمامي الورق الأبيض المصقول، وعدة أقلام بألوان مختلفة، وبدأت أفكر في قصة ربما أستطيع كتابتها، وتحقق شيئا من طموحي. لم تكن لدىي خبرة في شيء ولا كنت أعرف كيف تكتب الروايات، وتلك الأعمال التي قرأتها في ذلك الحين، كانت كلها أو معظمها أعمالا كلاسيكية، من الأدب الروسي، والفرنسي والإنجليزي، من تلك التي قرأها كل الناس في ذلك الوقت، إضافة إلى بعض أعمال الكتاب العرب من أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وعبد الرحمن منيف وحنا مينا، وغيرهم من نجوم تلك الفترة. وأعترف أنني كنت أستمتع بقراءة الشعر وكتابته، ولم أكن أبحث عن شيء معين في الرواية، أي لا أهتم بفنياتها بقدر اهتمامي بالحصول على المتعة، لذلك أزعم بأنني لم أتعلم من قراءاتي السردية، إلا بعد أن دخلت لحم السرد، وبعد أن قضمت منه شيئا، وأصبح من الضروري أن أتعلم كيف أكتب وإلا لن ينجح مشروعي على الإطلاق.أقول بأنني جلست أفكر، وكان أول ما خطر لي في تلك اللحظة شكل البيت الذي ولدت فيه في قرية كرمكول في شمال السودان، شكل القرية نفسها بنيلها الذي يعانق الصحراء، وبيوتها الطين، وشوارعها الترابية المليئة بالحفر، تذكرت شخصيات كثيرة، عرفتها أثناء زياراتي للبلدة، في موسم الصيف، شخصيات بعضها سوي وبعضها معتل جسديا أو عقليا، تذكرت خبرات المراهقة، وكيف يمكن لمراهق قادم من المدينة، أن يتحول إلى نجم وسط بؤس الريف، تمجده الفتيات المسكينات في أمسيات اليباس العاطفي. تذكرت أشياء كثيرة، من نشأتي في مدينة بورتسودان، وبدأت أكتب رواية سميتها بعد ذلك: كرمكول، وكانت مجرد تمهيد إما سيشجعني على المضي في السكة، أو يشدني إلى خارجها.إذن آتي إلى موضوعي، وهو أن المبدع حين يبدأ في نبش أدواته وتحسس السكة التي سيسير عليها، في الغالب لن يبدأ بالكتابة عن هبوط الإنسان على سطح القمر، أو احتمال وجود حياة بشرية، تحت قاع البحر، لن يتخيل تاريخا فوضويا أو عاقلا ليكتبه، ولن يسعى للأشياء البعيدة، محاولا أن يقترب منها. هو في النهاية يكتب خبرته الشخصية، خبرته في بيته حين كان أبوه يعنفه وربما يضربه لأسباب لا تستدعي الضرب، حين كانت أمه تقلق لغيابه، وتبكي إن أصابه مكروه، وحين كانت الحياة الأولى التي عاشها، جديرة بأن تحكى للآخرين، في نظره رغم أنها قد تكون غير ذلك.الأدب في معظم تجلياته، خاصة الأدب الواقعي، يركن إلى مثل تلك الخبرات، وقد يقدم شيئا من المتعة، حتى لو لم يرتكز على الخيال كثيرا.