13 سبتمبر 2025

تسجيل

حتى لا تضيع القيم

13 يونيو 2014

في زحمة الأحداث وتبدل الآراء وتغير المفاهيم وتدخل الأهواء رغبا أو طمعا، وتخرس الألسنة طوعا أو كرها؛ ساعتها تضيع القيم ويصير ما يخرج في منتصف الليل شمسا، وما يعانق السماء في وضح النهار قمرا أو نجما، يصبح الخائن أمينا والكاذب صدوقا! وقليل من الناس من يثبت على الحق، لكن بهذا القليل ينصر الله هذا الحق.خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكباً من اليهود إلى مكة بعد وقعة أُحد، ليحالفوا قريشاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزل كعب على أبي سفيان، ونزلت اليهود في دور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب، ومحمد صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكراً منكم، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين، وآمن بهما. فذلك قوله:(يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّاغُوتِ) ثم قال كعب لأهل مكة: ليجيءْ منكم ثلاثون ومنا ثلاثون، فنلزق أكبادنا بالكعبة ونعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد. ففعلوا ذلك، فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم، ونحن أميون لا نعلم، فأيّنا أهدى طريقاً وأقرب إلى الحق، أنحن أم محمد؟ فقال كعب: اعرضوا عليَّ دينكم، فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكَوْمَاء، ونسقيهم الماء، ونَقْرِي الضيف، ونفك العاني، ونصل الرحم، ونعمر بيت ربنا، ونطوف به، ونحن أهل الحرم؛ ومحمد فارق دين آبائه، وقطع الرحم، وفارق الحرم؛ وديننا القديم، ودين محمد الحديث. فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلاً مما هو عليه، فأنزل الله تعالى: { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، يؤمنون بالجبت والطاغوت، ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً}!!! يعني كعباً وأصحابه، ويمضي سياق هذه السورة الكريمة في التعجب من أمر أولئك الذين يزكون أنفسهم بينما هم يؤمنون بالباطل وبالأحكام التي لا تستند إلى شرع الله، وليس لها ضابط منه يعصمها من الطغيان.إن الحتمية العقلية لتفرض أن يكون الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، أولى الناس أن يتبعوه، وأن يكفروا بالشرك الذي يعتنقه من لم يأتهم من الله هدى، ولكنه النقيض وهذا ديدن أهل الباطل، يزكون أنفسهم، ويتباهون بأنهم أحباء الله، وهم في الوقت ذاته يحاربون الله بالمعاصي، منقادين للباطل والشرك لاهثين خلف الكهانة والكهان الذين يشرعون لهم ما لم يأذن به الله. والعجيب أنهم كانوا يرددون قولتهم الكاذبة: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً!! ومضى القوم في غيهم والله يمكر بهم، حتى حفر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه حول المدينة الخندق، وكفى الله شرهم {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً. وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً}.ليس العجيب من اليهود أن يقولوا لكفار مكة ذلك، فهذا شأنهم وتلك عقيدتهم، وهذا موقفهم دائماً من الحق ومن أهله، فالقوم أصحاب أطماع لا تنتهي، وأهواء لا تعتدل، وأحقاد لا تزول!وإنما العجب كله أن يعتقد بعض بني جلدتنا أن إخوانهم الذين شاركوهم المساجد والدعوة، وأفنوا أعمارهم في سبيل رفعة دين الله عز وجل، وبذلوا في سبيله الغالي والنفيس، أضر على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى!!! أو ممن يتحدثون بكل لسان ويتلونون بكل الألوان، إن من شاركك محنتك وألمك، وشاركك قبلتك ومسجدك، أولى الناس بك إنْ كنت حقا شريكا له.