10 سبتمبر 2025
تسجيلالذكاء الاصطناعي هو الطفرة التكنولوجية الراديكالية التي ستغير وجه العالم تماماً هذا أصبح أمرا لا شك فيه، والتغيير سينعكس بالإيجاب من حيث تطوير كل المجالات والأنشطة المختلفة التي ستفيد البشر، لكن ثمة جانبا سلبيا بل وخطيرا ومرعبا له، من حيث على سبيل المثال لا الحصر، الإجهاز تماماً على ما يقرب من 50 % من الوظائف الحالية، والانتهاك السهل للخصوصية الإنسانية. والسياسة الدولية من النطاقات التي سيخيم عليها الذكاء الاصطناعي بظلاله الإيجابية والسلبية بصورة كبيرة للغاية. والحقيقة أن تلك الانعكاسات الإيجابية والسلبية له على السياسة الدولية لا تحصى وتحتاج لمئات المقالات لإبرازها، لكن نسعى إلى إبراز أهمها في المقال. عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي المختلفة التي تتطور بشكل مطرد للغاية، بات من السهولة الشديدة بمكان، اختراق البنى التحتية الرقمية الحساسة، وسرقة البيانات السرية الشخصية والعامة، والتجسس، وانتهاك سيادة الدول. وهذا بدوره سيساهم في تعزيز الفوضى والإرباك في السياسة الدولية، وتقوية النظم المارقة، والجماعات الإجرامية والإرهابية. وعلى نحو آخر، سيساهم في تذكيه الصراعات بين القوى الكبرى التي تسعى للتفوق في هذا المجال الخطير للغاية. إذ يرى المتخصصون أن من سيهيمن على الذكاء الاصطناعي سيهيمن على العالم. حيث ستتيح تقنيات هذا المجال المتطورة، تطوير أسلحة فائقة الذكاء والسرعة والدقة يتضاءل فيها العامل البشرى، وأنظمة دفاعية وجوية وأنظمة مراقبة وتجسس فائقة التطور، تمكن من يستحوذ عليها من قلب توازن القوى العسكري رأسا على عقب، وحسم أي معركة عسكرية في غضون أسابيع. وعلى نحو مماثل، ستدفع هذه التقنيات النشاط الاقتصادي للدول إلى طفرة عالية، مما يزيد من قوتها الشاملة في سياق معادلة توازن القوى الحاكم للسياسة الدولية. لكن على الرغم من ذلك، فتلك الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي ستكون على حساب استبدال العامل البشرى والوظائف التقليدية الرئيسية، ستكون في ذات الوقت ذات مردود خطير على الاستقرار الاجتماعي للدول، وتمتد تبعات عدم الاستقرار هذا بصورة خطيرة على السياسة الدولية. فعندما يقبع نصف المجتمع في بطالة في ظل هيمنة الرأسمالية على دول العالم حيث الدولة حارسة لرؤوس الأموال وليس متحكمة فيه. فالنتيجة الحتمية المؤكدة، هو اضطرابات وتظاهرات مزمنة، وتفش للفقر والبطالة بصورة مرعبة، وقتل للروح المعنوية للشباب تحديدا المكتسبة بصورة رئيسية من العمل المنتظم. والتداعيات إذن على السياسة الدولية لا تحصى مظاهرها، حيث تفش لمعدلات الهجرة، وتراجع حاد في الديمقراطية، وتنشيط للإرهاب الدولي. وعلى جانب آخر، تزايد حدة الصراعات بين الدول للاستحواذ على أكبر قدر من المزايا الاقتصادية والموارد الطبيعية لتلبية الاحتياجات الاجتماعية المزمنة من إعانات البطالة وغيرها للحفاظ على استقرار الدولة. ومن المظاهر المخيفة التي ينبه لها المتخصصون هي عودة ظاهرة الاستعمار الاقتصادي القديم، عندما كانت الدول المستعمرة تصدر أزمة فائض إنتاجها أو فائض بطالتها للخارج. والاستعمار البريطاني للهند كان انعكاساً للاثنين. المظاهر الإيجابية للذكاء الاصطناعي على السياسة الدولية صورها متعددة. ومن أهمها، تحقيق قدر من التوازن في علاقات القوة في النظام الدولي. فالذكاء الاصطناعي الذي تملكه أو تطوره بقوة بعض الشركات الكبرى مثل «تسلا»، سيصقل من وزنها النسبي في العالم، مما يجعل الدول الكبرى في حالة اعتمادية عليها، أو يحرمها من احتكار القوة المدمر للعالم. على نحو آخر، سيساهم في تعزيز قوة الدول الصغيرة خاصة العسكرية، مما يجعلها في توازن نسبى مع الدول الكبرى المهددة. فالدول الصغيرة الغنية مثل دول الخليج، أصبح بمقدورها امتلاك وتطوير أسلحة ذكاء صناعي فائقة التطور، قادرة على ردع خطط الدول المهددة على التهديد والتوسع والاحتلال. فالطائرات دون طيار التي ستشهد طفرة رهيبة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، ستهيمن على المجال الجوي العسكري سواء كان دفاعيا أو هجوميا أو لوجستيا أو في مجال التجسس. وأسوة بذلك أيضا أنظمة الدفاع المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التي ستكون قادرة على صد وإسقاط كمي ونوعى مذهل للصواريخ، بغض النظر عن حجم الدول وموقعها الجغرافي. ويرى المتفائلون أيضا أن الذكاء الاصطناعي المتطور بمقدوره المساهمة بصورة كبيرة في حل الأزمات الدولية الخطيرة التي تهدد الاستقرار الدولي بصورة خطيرة، وعلى قائمة هذه الأزمات، التغير المناخي، وأزمة الغذاء والطاقة. ملخص الأمر، سيغير الذكاء الاصطناعي السياسة الدولية رأسا على عقب، بما في ذلك شكل وأنماط القواعد البروتوكولية، وقواعد عمل المنظمات الدولية والأعراف الدبلوماسية وغيره. كما ستنعكس تداعياته الإيجابية والسلبية بقوة على المنطلقات والمفاهيم الحاكمة للسياسية الدولية وخاصة «القوة». وفى خضم كل ذلك، فمن الصعب التنبؤ بغلبة انعكاس على الآخر، فبقدر ما يساهم بصورة كبيرة في استقرار السياسة الدولية، بقدر ما يساهم أيضا في زعزعة هذا الاستقرار بصورة خطيرة. وإن كنا نرجح عدم الاستقرار وتنامى الصراعات.