15 سبتمبر 2025

تسجيل

يا سلعة الرحمن أين المشتري

13 مايو 2015

لأجلها اشتاق الصالحون، وسعى السالكون، وعمل العاملون، وتزود المخلصون. فمنّ الله عليهم بفضله فجعلها إرثاً لهم قال تعالى: "وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون"، "تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا"، هي النعيم الخالد، والسعادة الأبدية، والراحة الدائمة، والقطوف الدانية، هي رجاء الصالحين، وأمل المؤمنين، ومطمع الطائعين، وأمان الخائفين، وواحة الساجدين، ونعيم المخْبِتين".. قال صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا يُدْخِلُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مَنْ يَرْجُوهَا، وَإِنَّمَا يُجَنِّبُ النَّارَ مَنْ يَخْشَاهَا، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ".. من ذاق نعيمها "ينسى" كل بؤس مر عليه من شدة حلاوتها، قال صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ، وَاللهِ، يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ".. شَم نسيمَ عبيرِها جعفر بن أبي طالب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في بداية الأربعين من عمره، وذلك في معركة مؤتة؛ وقد أدرك أن الموت محيط به، وأن سهم المنية أقرب إليه، فتذكر سلعة الله فهانت عليه نفسه، خاطب سلعة ربه بأبيات قال فيها:يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَاطَيِّبَةٌ وَبَارِدٌ شَرَابُهَاوَالرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَاكَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَاعَلَيَّ إِذْ لاقَيْتُهَا ضِرَابُهَاثم وثب عن ظهر فرسه، ثُمَّ عَقَرَهَا حَتَّى لا يَنْتَفِعَ بِهَا، ودخل في صفوف الروم يهدهم بسيفه هدّاً، حتى ارتقى إلى ربه شهيداً. لم تكن هذه حال جعفر، بل كانت حال أصحاب النبي، وكل محب صادق، لك أن تستمع إلى عبدالله بن رواحة وقد قام بعده، وأدرك أن مصيره كمصير أخيه جعفر، فخاطب نفسه يذكرها بسلعة الله الغالية، وكان مما قال:أقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْطَائِعَةً أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْإِنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا الرَّنَّةْمَا لِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّةْقَدْ طَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّةْهَلْ أَنْتِ إِلا نُطْفَةٌ فِي شَنَّةْوقال أيضاً:يَا نَفْسُ إِلا تُقْتَلِي تَمُوتِيهَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صُلِيْتِوَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتِإِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِوَإِنْ تَأَخَّرْتِ فَقَدْ شَقِيتِهذا سيد بني سلمة (عمرو بن الجموح) رضي الله عنه سمع عنها من فيِّ رسول الله، يقول مخاطبا أصحابه: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.. فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم متوسلاً أن يأذن له في الجهاد، قائلاً له: "يا رسول الله إنّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك، إلى الجهاد، ووالله إني لأرجو أن أخْطُرَ بعرجتي هذه.. في الجنة". وقد رأي النبي شوقه إلى سلعة ربه، وعلم أن الشوق قد بلغ به الحد الأقصى، فأذن له في الجهاد، فقام رضي الله عنه فرحاً مسروراً، وقال:"اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردّني إلى أهلي".. وهي كلمة تُنبئ عن عظَمة المبتغى. وأنس بن النضر قالها مواسياً أخاه سعد بن معاذ، ومبشراً إياه بالخاتمة الحسنة، فقال له: "واهاً لريح الجنة أجده دون أُحد".تسعى بهم أعمالهم سوقاً إلى الـــدارين سَوْقَ الخيل للركبانصبروا قليلاً فاستراحوا دائماً — — — يا عــزة التوفيق للإنسانباعوا الذي يفنى من الخزف الخســـ — — — يس، بدائم من خالص العقبان.. وتَسَابَقَ الأقوام وابتدروا لها — — — كتسابق الفرسان يوم رهان.. وأخو الهوينى في الديار مخلَّفٌ — — — مع شكله يا خيبة الكسلان..إنه الشوق الذي بلغ بهم الدرجات العالية، واليقين الذي أذهب مهج قلوبهم، يقول وكيع: سمعت سفيان يقول: لو أن اليقين استقر في القلوب لطارت شوقاً أو حزناً، إما شوقاً إلى الله عز وجل، وإما فَرَقاً من النار!! لا شك أنك تريد المزيد، والحديث عن الجنة لا ينقطع، والسير في رحاب حديثها لا يتوقف، ولكني أدلك على من أبدع في وصفها، وضم ما تفرق عنها في قصيدة؛ بلغت سة آلاف بيت في بحر واحد، وهو (بحر الكامل)، وقافية واحدة: (النون).. بدأها بالحديث عن العقيدة والأخلاق ثم تحدث عن الجنة وما فيها، وأبوابها، ولباس أهلها، وطعامهم وكان مما قال:يا سلعة الرحمنِ لستِ رخيصةًَ *** بل أنت غاليةُ على الكسلان.. يا سلعة الرحمن ليس ينالَها ***في الألف إلا واحدُ لا اثنانِ..يا سلعةَ الرحمِن ماذا كفؤها؟ ***إلا أولو التقوى مع الإيمانِ..يا سلعة الرحمن أين المشتري *** فلقد عُرضتِ بأيسر الأثمان ***يا سلعة الرحمن هل من خاطب؟ *** فالمَهر قبل الموتِ ذو إمكانِ..يا سلعةَ الرحمنِ كيف تَصَبُّرُ الـ ***خطابُ عنكِ وهمْ ذَوُو إمكان. ثم يفصل رحمه الله بعض مشاهد النعيم لأهلها، فيقول:وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم *** ولحومهم طير ناعم وسمان..وفواكه شتى بحسب مناهم *** يا شبعة كمُلت لذي الإيمان.. وصحافهم ذهب تطوف عليهم *** بأكف خدام من الولدان. وأما عن شرابهم، فيقول: يسقون فيها من رحيق ختمه *** بالمسك أوله كمثل الثاني.. مع خمرة لذات لشاربها بلا *** غَولٍ ولا داء، ولا نقصان. ولم ينس ـ رحمه الله ـ الحديث عن ملابسهم، فقال: ولباسهم من سندس خضر ومن *** إستبرقٍ: نوعان معروفان.. بيض وخضر ثم صفر ثم حمـ *** ر كالرباط بأحسن الألوانِ.. لا تقرب الدنس المقرب للبلى *** ما للبلى فيهن من سلطان. وهذا غيض من فيض، عن سلعة الرحمن، ونحن على أعتاب شعبان، فهل من مشمر عن ساعد الجد؟! اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، يا من تفضلت علينا بالإسلام، دون أن نطلب، فلا تحرمنا الجنة، ونحن نطلب.