12 سبتمبر 2025
تسجيلتداولت وسائط الاتصال مؤخراً مقطع فيديو للشاعر السوري خلف الموّان الجبوري يقرأ فيها قصيدة اختار لها عنواناً: "هيّ هيّ" وذهب فيها مذهباً جديداً في الشعر الشعبي، إذ مزج بين العامّيّ والفصيح، بقصيدة مثقفة، لا تتوغل في المحلية، فاختار أشطراً أو عبارات من أبيات مشهورة في التراث، وأسقط عليها واقع الحال بالعجز، وكأنه يستعيد فن المعارضة الذي نشأ مع جماعة إحياء التراث، ولكن عبارات خلف الموان اللاذعة وتعليقاته المليئة بالخيبة والإحباط ترفع الشحن المعنوي في وجدان المستمعين، وتبيّن جدوى وسائط النقل الجديدة المتاحة بكثرة أمام الناس كالهواتف الذكية، فقد تناقلها المهمومون بهذا اللون من الشعر، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، ولا أظن أن جهة ما تستطيع إحصاء عدد مرات مشاهدتها، تنتمي القصيدة إلى الشعر الشعبي الفراتي الذي نضج في التجربة العراقية، ولم يجد الاهتمام الكافي في سوريّة، وبقي دون احتضان كاف من الجهات الرسمية، ولكنه وجد فرسانه ومبدعيه في أكثر من صوت كما في تجربة الشاعر خلف الموان والشاعر محمد سعيد الغربي، وفي تجربة ملفتة وواعدة للشاعر محمد اليساري الذي يأخذ القصيدة نحو جمهور الفصحى في موضوعاتها و أدواتها.يكرّر الشاعر الموّان لازمة "هي هي" مستشعراً إحباطاً حول ما آلت إليه أمور العروبة في ربع القرن الأخير من انكساراتها وذبول ربيعها قبل أوانه، مستحضراً عنترة بن شداد؛ وجملته: "لقد ذكرتك والرماح نواهل" التي لم تعد تحيل على وجع رومانسي راقٍ، ويذهب إلى المتنبي مستعيراً: "إذا رأيت نيوب الليث بارزة" محذراً قارئه من الوقوع ضحية الليث الذي تعاطف معه قرّاء المتنبي، كما أن "الأفاعي وإن لانت ملامسها" المنسوبة إلى عنترة مازالت تلدغنا، وسيوف أبي تمام مازالت أصدق من الكتب والخطابات، وأننا ما زلنا المشبه في بيت الصوفي الكبير عبد الغني النابلسي: "والعيس في البيداء يقتلها الظما- والماء فوق ظهورها محمول"، فإلى أين يولي وجهه؟ إلى ليلى مريضة في العراق؟ أم إلى فلسطين الجريحة، غائصاً في تاريخ النكبات والخيانات في أبي رغال والعلقمي، ومحذراً من فتنة الحرب الأهلية بصورتها في حرب البسوس في نصّ سمعي بصري مكثّف، مكتنز بالإشارات التاريخية، ما يجعلنا متفائلين بمصالحة شعرية بين العامية والفصحى، في نصوص رفيعة .