12 سبتمبر 2025

تسجيل

الصغير يكبر

13 مايو 2014

حين تمضي بنا الأيام نمضي معها ونحن في دائرة مُغلقة نمر فيها على كل ما سبق لكل من سبقنا وأن مر عليه، دون أن يختلف علينا أي شيء سواه الزمن، الذي يرحل دون أن يعود، ويتركنا مع جملة من المواقف نختبرها كما سبق لغيرنا وأن فعل، غير أن المعالجة تتغير ولا تكون كما كانت عليه، وهو التغيير الذي يحمل في جوفه السر الذي يُضفي حلاوة شديدة على الموقف في حينه، فلو كانت المعالجة هي ذاتها لكانت المخرجات كذلك، ولكننا بفضل من الله وكل تلك النعم التي أكرمنا بها صرنا نُميز حاجتنا إلى الاختلاف، وندرك معنى أن نصنع فارقاً يُميز الأول عن الثاني، وبكلمات أخرى قد نعيش ذات المواقف منذ أعوام كثيرة، لكننا نقابلها بتفكير مختلف، ونُقدمها بطريقة مُخالفة إن سنحت لنا فرصة تقديمها أصلاً، ولعل (نقطة التقديم) هذه هي الجديدة علينا؛ لأن من سبقنا لم يكن ليحصل عليها، فكان أغلب ما يحدث يعيش بين صفحات سرية قد تُدرك وقد لا تفعل أبداً، بينما في وقتنا الحالي نجد أن كل ما يحدث يُكشف وإن لم تكن الخطة تنص على ذلك.لقد صرنا في زمن توسعت فيه دائرة الإعلام، وإن صح القول صار كل واحد منا يجد في نفسه مواصفات الإعلامي، ويعتقد أن له القدرة على التعبير، بل والمساحة الكافية، التي تمنحه حق نقل ما يشعر ويمر به متى ما أراد ذلك، وبالشكل الذي يُريده أيضاً، وهو كل ما جعله يمضي نحو الكشف عن المزيد من التفاصيل التي لم تكن لتُدرك من قبل، ولكنها صارت مُباحة ومتاحة للجميع في غضون لحظات، وهو ما يكون منه حين ينتمي لجهة رسمية يبلغها بجدارة، أو حين ينتمي لمجموعة خاصة يترأسها وحده؛ ليُعبر عن ذاته بذاته؛ مستنداً إلى وسائل أخرى تصل إلى العالم قبل أن يرتد إليه طرفه، والحق أننا لن نقف عليها تلك الوسائل؛ لأنها صارت متوفرة ونحملها معنا أينما كنا، وكأنها قطعة أساسية تنتمي إلينا ولا نستطيع التخلي عنها، وبالوقوف عليها تلك القطعة ندرك أنها لا تُشكل خطراً حقيقياً على المجتمع إلا إن تم استغلالها بشكل غير مناسب لطبيعته (والحديث عن المجتمع الذي يحتوينا)، وهو ما يكون حين نجري خلف الأحداث؛ لنتصيد ما نشتهيه منها، ونشذبه كما نريد ثم نُطلقه للعالم من تلك الزاوية التي نعتقد أنها الأفضل في حين أنها قد لا تكون مثالية، بل وغير متوافقة مع شروط (الذوق العام) الذي يرفض التضليل، لكنه يسعى إلى تحقيق العدالة التامة من خلال كل ما يُقدم؛ كي يتناوله الأفراد ويحظى باهتمام الرأي العام.إن ما أسعى إليه كما يسعى غيري هو التأكيد على أن كل وسائل الاتصال الحديثة التي تُقرب البعيد وتجعله الحاضر وإن كان غائباً، تتطلب منا وعياً تاماً بما يمكن أن تأخذنا إليه، فالأمر لا يعتمد على رسالة تُرسل إلى مجموعة (ما)؛ لينتهي الأمر بمجرد أن ننتهي من مهمة الإرسال، بل بما سيعقبها تلك المهمة، ويمكن أن يترك أثره الكبير وإن كان على المدى البعيد، الذي يُستهان بأثره دون أن ندرك أنه ما سيجعل الأمور تتغير فيما بعد، وهو ما نجده جلياً خلال هذه الأيام مع كل رسالة تخرج من مُرسلها ويحسب أنها بسيطة وذات مفعول قصير المدى في حين أنها غير ذلك تماماً، ويمكن أن تُفزعنا بثمارها حين يحين وقت الحصاد، والسؤال: إلى متى سيظل هذا الاستهتار الذي يبدر من البعض؟ وإلى متى ونحن نأخذ كل شيء ضمن إطار المزاح؟ وإلى متى سنُقزم كل الآثار السلبية وكأنها لم تكن يوماً، ونستمر في إنجابها من خلال تصرفات لا نسمح لها بأن تنضج بما فيه الكفاية؟لعل توفير إجابات مناسبة لكل ما سبق، سيأخذ منا وقتاً لاشك أنه سيختلف، ولكنه على الرغم من اختلافه فإنه سيظل مُلتزماً بالخروج بإجابات شافية لكل تلك الأسئلة التي طُرحت من قبل، خاصة وأنها تحمل لنا رسالة خطيرة، تُحملنا أمانة التفكير ملياً بكل حرف نرغب بإرساله قبل أن نفعل وذلك؛ لأن كل واحد منا مُحاسب عن كل حرف يخرج منه، وهو ما لا يستدعي الخوف؛ لأنه وإن كان يحمل خيراً فلاشك أن الخير سيعود إليه من جديد، ولكنه إن كان يحمل شراً كامناً يضمره، فلاشك أنه سيعود إليه بشر يماثله وإن كان على المدى البعيد، وعليه فلتفكر ملياً بكل ما ترغب بقوله قبل أن تفعل، فما سيخرج منك لاشك سيعود إليك. وأخيراً: فلتتذكر هذه الكلمات: كل صغير تستهين به اليوم سيكبر غدا دون شك؛ لذا فكر ملياً بكل ما تقوله، وليوفق الله الجميع.