03 أكتوبر 2025

تسجيل

الشاويش خضر

13 مايو 2013

كان يوجد في حي النور قريبًا من العيادة، على بعد عدة شوارع، مركز صغير للشرطة، به عسكريان في كل وردية، وقد أنشئ لفض المنازعات القبلية، أو المشاجرات البسيطة التي تحدث أحيانا بين الجيران بسبب أمور تافهة، وأيضًا لتلقي الشكاوى في حالات السرقة والنهب المسلح المنتشرة في تلك الأحياء البعيدة. وصلنا للمركز أنا وعز الدين نتصبب عرقا، وكان بداخله في تلك الساعة من الليل، شرطيان، أحدهما شاب في مقتبل العمر، يشبه في ملامحه قبائل (البجا) المستوطنة في الشرق والتي لا يفضل رجالها عمل الشرطة إلا نادرا، والآخر يبدو قديما وعلى وشك التقاعد، وتدل ملامحه وتلك الخطوط الرأسية الموشومة على خديه، نوعا من الزينة التقليدية، على أنه من أهل الشمال الذين كانوا أول من طرق العسكرية وتوظف بها، في البلاد. حكيت عن موضوع العربة وسرقتها من أمام باب العيادة، واستخدامها في زفة عرس، كما ذكر أحد الشهود العابرين، فتولى العسكري القديم القضية، سجَّل البلاغ على دفتره الذي كان من ورق أصفر وبلا غلاف، وسألني إن كنت أتهم أحدا بالذات، بتلك السرقة، وخطر ببالي أن أتهم المحتال (إدريس علي)، والنشال شقيق المجنونة سماسم، لكنني لم أجرؤ، ولا أملك دليلا على أحد. قلت: لا أعرف.. فانشغل الشرطي بفتل شاربه قليلا ثم نهض مرددا.. - تفضلا معي لو سمحتما. لم يسألني حتى إن كانت العربة مسجلة باسمي أو اسم شخص آخر، ولا عن لونها وماركتها وأرقام تسجيلها، ولا سأل عز الدين، إن كان قد سمع شيئا أم لا؟، كما كان يفترض في تلك الحالات، كان ظهره منحنيا إلى الأمام قليلا وهو يمشي، جرابه المدلى من الخصر، مفتوحا وبلا سلاح، وقد تأرجح أحد أشرطته العسكرية على كتفه اليمنى، بسبب تمزق الخيوط. وقد خطر لي أن أسأله عن سلاحه الذي ربما يحتاج إليه في مهمته، في نفس اللحظة التي رأيته فيها يلتقط عصا ضخمة من أحد أركان الغرفة، ويطلب من زميله البقاء بالقسم حتى يعود. كان يصيح: -     لا تخرج يا تولاب من مكانك حتى لو وقع انقلاب عسكري.. هل تفهم؟ لم يكن بالمركز سيارة مخصصة لتنقل العسكريين، ولا حتى دراجة نارية تستخدم في المهام العاجلة، وصرخ الشرطي في رجل على عربة كارو يقودها حمار، وتحمل عددا من صفائح الماء، عبرت أمامنا بالتوقف، وركبنا كلّنا، وقد كان صاحب الكارو واسمه جبران، وزارني مرة في العيادة يشكو من ألم ركبتيه، بارعا في تخطي الحفر، والشوارع الموحلة، والدخول إلى أزقة ملتوية، لا تسمح حتى بمرور قطة، وقادنا مباشرة بعد أن عرف بأمر العربة المسروقة، إلى بيت متهالك من الخشب، يطل على أرض خلاء، كانت مضاءة بالفوانيس، وممتلئة بالناس وبقايا الأكل، وثمة مغنٍ لم أره من قبل، يرتدي القميص الأبيض القصير والصديري، يعزف على آلة العود، ويردد أغنية محلية اسمها (الشحم واللحم) كنتُ قد سمعتها من قبل تُردد في العديد من الأعراس رغم رداءة كلماتها ولحنها، وكانت المفاجأة، أن العربة بكامل زينتها المورَّدة، كانت هناك. نزلتُ من عربة الكارو مسرعا قبل الشرطي حتى، وأسرعت أتفقد عربتي من الخارج والداخل في قلق، وكانت كما هي، لم يفقد منها شيء، مسجلها العتيق ما زال يعمل، ولّاعتها تعمل أيضا، كساء الجلد الذي كسوت به مقاعدها موجود في مكانه ولا شيء جديد سوى عدة كيلومترات أضيفت إلى عداد السرعة الذي احتفظ في ذهني بقراءته دائما. توقف الغناء والرقص بأمر من الشرطي العجوز، وجيء بالعريس ونفر من أهله من وسط الساحة، وخضعوا لاستجواب سريع، اتضح منه ما حدث.