17 سبتمبر 2025
تسجيلتتميز وصف موازنة الكويت للسنة المالية 15-2014 والتي دخلت حيز التنفيذ مطلع أبريل بأنها حذرة بالنسبة للمصروفات لكنها أقل حذرا أو أكثر تفاؤلا فيما يتعلق بالإيرادات. حقيقة القول، تلعب الموازنة العامة دورا مهما في الاقتصاد الكويتي بدليل تشكيل النفقات قرابة 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للكويت قرابة 184 مليار دولار. يحل ترتيب الاقتصاد الكويتي في المرتبة الرابعة بين دول مجلس التعاون الخليجي بعد السعودية والإمارات وقطر.في التفاصيل، تبلغ قيمة النفقات العامة نحو 77 مليار دولار أي بزيادة محدودة قدرها 3 في المائة لا أكثر مقارنة مع الموازنة السابقة. وتعتبر نسبة النمو هذه طبيعية وهي قريبة من متوسط التضخم السائد في الوقت الحاضر، ويبدو أن هذا خيار استراتيجي للمالية العامة في هذه الفترة.90 % لتغطية الرواتب والأجور والتحويلات المالية : الأمر اللافت بالنسبة للموازنة عبارة عن تخصيص 90 في المائة من النفقات لصالح المصروفات الجارية لتغطية أمور مثل الرواتب والأجور والتحويلات المالية. وهذا يعني تخصيص 10 في المائة فقط من مخصصات الموازنة العامة للمشاريع التنموية وهي نسبة ضئيلة بالمقاييس العالمية.وربما يمكن تفهم التركيز على النفقات الجارية، إذ تشكل القوى العاملة الوطنية نحو 93 في المائة من العاملين في الدوائر الرسمية والمؤسسات التابعة للدولة. مؤكدا"لا يمكن اعتبار هذه الحقيقة أمرا عاديا في الظروف الطبيعية فهي مرتفعة بكل المقاييس". وهذا يعني عزوف المواطن الكويتي من العمل في المؤسسات الخاصة مع بعض الاستثناءات المهمة مثل بعض أوجه قطاع الخدمات المالية مثل المصارف. الاعتقاد السائد عبارة عن وجود نوع من فائض في حجم أو الطاقة العمالية المطلوبة في المؤسسات الحكومية لكن يتم الاحتفاظ بالكادر الوظيفي الوطني في إطار مفهوم إعادة توزيع الثروة بين المواطنين، ويمكن الزعم بكل أريحية بأن القطاع العام يتحمل أكثر مما هو مطلوب منه بالنسبة لتوفير وظائف للمواطنين. وبمزيد من التمعن للنفقات، لا يمكن استبعاد فرضية عدم التنفيذ الكامل لنفقات المشروعات وذلك بالنظر للعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، يصر أعضاء مجلس الأمة على ممارسة دورهم الرقابي على النفقات العامة لضمان الحفاظ على أموال البلاد، مؤكدا أنه لا يمكن توجيه اللوم لهم لأن المحافظة على ثروات البلاد تدخل في صلب عملهم. بالعودة للوراء، اضطرت السلطات إلى دفع مبلغ وقدره 2.2 مليار دولار لشركة داو كميكل الأمريكية كتعويض عن إلغاء مشروع مشترك قبل عدة سنوات. وكان البرلمان قد قرر عدم المضي قدما في تنفيذ المشروع بعد اقتناعه بأن قيمة الصفقة لم تكن واقعية. وقد تبين من خلال التجربة أن التنفيذ الكامل للنفقات المخصصة للميزانية العامة يواجه تحديا آخر وهو الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المحلي. وتعود هذه المعضلة لأسباب بعضها إدارية مثل البيروقراطية وبعضها عملية مثل تداعيات حرارة الجو. نزعة الاستثمار في الأسواق الدولية : كما لا يمكن التجاهل عن حقيقة أخرى وهي وجود نزعة لدى المستثمر الكويتي للاستثمار في الأسواق الدولية. بل تعتبر هذه من صفات المستثمر الكويتي بشكل عام من خلال البحث عن أفضل عائد على الاستثمارات. بل تتبع الحكومة سياسية الاستثمار في الخارج منذ عقود بدليل انتشار محطات وقود تابعة للكويت في بعض الدول الأوروبية.من جهة أخرى، تبلغ قيمة الإيرادات العامة نحو 71.4 مليار دولار ما يعني تسجيل نسبة نمو قدرها 11 في المائة أي أكثر بكثير من النفقات المعتمدة.يعود تعزيز حجم الإيرادات المتوقعة لسبب جوهري عبارة عن الارتفاع المستمر لمتوسط أسعار النفط من 60 دولارا للبرميل في السنة المالية 13-2012 إلى 70 دولار للبرميل في 14-2013 فضلا عن 75 دولارا للبرميل في أحدث سنة مالية. طبعا كل هذا في الوقت الذي تبلغ فيه أسعار السوق قرابة 100 دولار للبرميل الأمر الذي يترجم لإمكانية تعزيز العوائد النفطية.بيد أنه يشكل الاعتماد المبالغ فيه على القطاع النفطي مصدر قلق بدليل تشكيله قرابة 93 في المائة من مجموع دخل الخزانة العامة فضلا عن 85 في المائة من الصادرات و 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتؤكد هذه الإحصاءات بأن أداء الاقتصاد الكويتي أسير التطورات في أسواق النفط العالمية ما يعد أمر سلبيا في كل حال من الأحوال. المشهور عن النفط بأنه سلعة استراتيجية عالمية يخضع سعره لأسباب مختلفة منها عوامل العرض والطلب إضافة إلى التطورات السياسية والاقتصادية على الصعيد الدولي وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط وفي مقدمتها بعض دول مجلس التعاون الخليجي. 5.6 مليار دولار العجز المتوقع: وعلى هذا الأساس، يبلغ حجم العجز المتوقع 5.6 مليار دولار أو 3 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، يتماشى هذا المستوى من العجز المتوقع تماما مع أحد شروط مشروع النقد الخليجي والذي يلزم بتقييده عند نسبة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن جرت العادة منذ فترة على رصد فائض ضخم نسبيا سنة بعد أخرى حيث بلغ المبلغ الكلي المتراكم للفوائض المالية نحو 300 مليار دولار بالنسبة لآخر 10 سنوات ما يعد إنجازا بكل المقاييس. أخيرا وليس أخيرا، يتطلب الصواب توظيف نسبة مؤثرة من الفوائض المالية للضمان تحقيق التنوع الاقتصادي المنشود وبالتالي تقليص الأهمية النسبية للقطاع النفطي في الحياة الاقتصادية في الكويت وخصوصا إيرادات الموازنة العامة.على سبيل المثال، لا بأس بتوظيف جزء من الفوائض لتطوير قطاع الطيران كما هو الحال مع بعض الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي. المهم هو توظيف الإمكانيات في مناطق القوة بالنسبة للاقتصاد الكويتي وخصوصا قطاعات الخدمات مع الأخذ بعين الاعتبار القيمة المرتفعة نسبيا للدينار الكويتي مقارنة مع العملات العالمية الأخرى، فالتصدير من الكويت ليس بالأمر الهين بسبب قوة العملة.