11 سبتمبر 2025

تسجيل

الفرار من الشرنقة

13 مارس 2022

في مطلع تسعينيات القرن الماضي بزغ محرك جديد من محركات الهيمنة والسطوة العالمية، حيث فاق إدمان المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي قدرة المحركات العادية في السيطرة والتحكم، وما زال ذلك في اضطراد مخيف، دون رادع أو حسيب، وقد يسر المجال لظهور حالة من الفرار من الواقع الفعلي، سيطرت على الكثير من رواد هذه المواقع، ولعل هذه الحالة تتمظهر وبشكل جلي لدى كثير من المثقفين، من أصحاب الذمم والكلمة المخلصة، حين دفعهم الواقع المتنافر، المليء بالمتغيرات والتناقضات الصادمة وغير المعقولة، إلى اللجوء إلى مثل هذه المنصات، وبرامج اليوتيوب، واللقاءات الحوارية، حيث يشعرون بنوع من الرضا والاستحسان في التواجد مع الكاميرات، والمقابلات المتلفزة التي يمارسون فيها التحليل والتنظير كبديل عن التعامل الملموس والفعلي مع البشر وديناميات الحياة التي قد تفرز عن بلبلات فكرية، واجتماعية، وثقافية، ونحوها وتحدث نوعاً من التشتت النفسي والعقلي لدى المجتمعات بجميع أطيافها. لقد انتقل الصراع الايديولوجي إلى ساحات التواصل الاجتماعي، من فيسبوك وتويتر... إلخ، وتواصلت الحروب الفكرية، والإعلامية دون هوادة، بل استخدمت أعتى أنواع التأثير اللفظي والبصري، وكل ذلك كان فعليا بنتيجة عدمية، عاجزة، استنفدت القوى، واستنزفت الهمم، وفقدت الغاية، وابتعدت عن المعارك الحقيقية على أرض الواقع، التي تحتاج إلى أكثر من منصات دعائية، وأدوات حقيقية، ومواجهات فيزيائية. فهل تنازلنا بهذه البساطة عن حقنا في نصرة قضايانا، واستكمال مشوار النضال الحقيقي والفعلي، والذي يحتاج إلى الحضور، والتواجد الفيزيائي البين الظاهر بصفته الرسمية، والمواجهة الجادة الحثيثة، وبذل الجهد، الذي آخذناه على عواتقنا، من منطلق الإيمان والواجب والإخلاص !! فأين الإخلاص من ذاك المشهد؟!! هل فكرت ملياً أيها المثقف، يا من فضلت أهون أنواع الجهاد في قضاياك، في سؤال: ماذا بعد؟ قد طرحت أطروحاتك واتجاهاتك الفكرية، ومقترحاتك، ثم ماذا؟ ما نتائج ذلك؟ لقد تكاسلنا حتى عن أضعف واجباتنا، وتقوقعنا تحت مظلة الافتراضية، لترضي فينا ذلك الشعور بالمسؤولية التي هي واجب كل مثقف غيور. إن اختيارنا الدخول إلى سجن العالم الافتراضي، وتفضيلنا ساحته لخوض معاركنا، والابتعاد عن ساحة المواجهة والقتال الحقيقي، يجعلنا نخسر المعركة قبل أن تبدأ، فاختيار أرض المعركة المناسبة من أبجديات الحروب، ومؤشر من مؤشرات الانتصار والفوز بالمعركة، بجانب أن كل ما يحدث على مواقع التواصل من سجالات وكر وفر ومناقشات واقتراحات وإنجازات سيبقى افتراضياً لا أكثر، لا يحل ولا يربط، في حقيقة واقعنا وبناء مستقبلنا، بينما التحرر من هذا السجن، والقتال في ساحات الحياة، والدفاع عن القضايا المهمة، هو المحك الحقيقي لإيجاد التغيير المنشود. إن هروب المثقفين الذين يشكلون انعكاساً لجانب مؤثر من المجتمعات، والذين نعول عليهم الأمل في التغيير بجميع مساراته، إلى ساحات المعارك الافتراضية، والبرامج التلفزيونية، يحللون ويناظرون، ويدلون بدلوهم، دون نتائج حقيقية تذكر، يعد انسحاباً وانهزاماً سافراً، وتنحياً عن أهم الملفات والقضايا، التي تستوجب الاتصال الفيزيائي بين نخب المثقفين الذين يعبرون عن ايديولوجيات متعددة، واتجاهات ثقافية وسياسية وفكرية متباينة، تثري النقاش، وتفسح المجال لفهم أعمق وأشمل لديناميات الواقع المعاش، الذي يحتاج من هؤلاء النخب، عدم الاستسلام لمحرك السيطرة الأعظم في وقتنا الحاضر، والاكتفاء به، لأنه الأكثر سهولة ويسرا، ولكنه في الوقت نفسه لا يحقق النتائج. أما آن الأوان لنمزق تلك الشرنقة التي أشعرتنا بدفء زائف، أمام موجات البرد التي تعصف بأمتنا ومجتمعاتنا وقضايانا؟! لكم القرار دمتم بود [email protected]